أن تكون مع لا أحد

... أن تكون مع لا أحد!

المغرب اليوم -

 أن تكون مع لا أحد

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

في ما خصّ المشرق العربيّ، يصعب على العبارة أن تنطوي على وجهة واحدة أو أن تنمّ عن عاطفة وحيدة. فالارتياح الكبير لإضعافٍ كالذي نزل بـ «حزب الله» اللبنانيّ يولد مقروناً بالغضب الشديد حيال الجرائم التي أنزلتها الحرب الإسرائيليّة باللبنانيّين، وبالشيعة منهم خصوصاً، كما بالقلق ممّا قد تبيّته حيال المنطقة الحدوديّة في الجنوب، ولكنْ خصوصاً بالخوف حيال مستقبل السلم الأهليّ واحتمالات تصدّع ما بقي من مرتكزات لبنان مجتمعاً ودولةً.

وشيءٌ مشابه يمكن قوله عمّا جرى في حلب وغرب سوريّا، في ظلّ تهالك مبكر كشفته الغارات الجوّيّة الإسرائيليّة المتلاحقة، وهذا قبل اعتصام النظام بالصمت المطبق منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. هكذا ننتهي إلى وضع يتجاور فيه شعوران:

من جهةٍ، الابتهاج بالهزّة القويّة التي أصابت الوضع القائم، كما ثبّته التدخّل الجوّيّ الروسيّ والبرّيّ الإيرانيّ قبل سنوات، وبعودة لاجئين ونازحين بمئات آلافهم، سبق أن هجّرهم عنف النظام وحلفائه، وبإطلاق سراح مساجين رأي (لا المساجين بإطلاق)،

ومن جهة ثانية، الذعر حيال القوى الإسلامويّة التي قد «تملأ الفراغ»، والمشهود لها بالبدائيّة والتعصّب والموقف القروسطيّ حيال الأقلّيّات والمرأة والتعليم...

وإذا صحّ أنّ هناك «سيناريو تركيّاً» تتحرّك الأحداث على وقعه، وبموجبه تتواطأ مع أنقرة قوى إقليميّة ودوليّة مؤثّرة، تمدّدَ الذعر نحو ما قد يصيب الأقلّيّة الكرديّة هناك كما في سائر نقاط إقامتها شرقاً، وهو ما انطلق مبكراً وبقوّة، وربّما لاحقاً نحو الأقلّيّات الأخرى، بوصف ذلك نوعاً من الاستطراد المأسويّ.

أمّا في العراق، وعلى افتراض أنّ المنطقة تعيش نزعاً للنفوذ الإيرانيّ، خصوصاً إذا أريدَ إحلال «الحشد الشعبيّ» في العدوان على السوريّين محلّ «حزب الله»، فلسوف يلازمنا الازدواج نفسه في الشعور والموقف: احتفال صارخ بالمصائر التي قد تلقاها ميليشيات الأمر الواقع، وكمدٌ مردّه أنّ ميليشيات مذهبيّة مضادّة لها، يجمعها بها التخلّف والتعصّب، قد تنوب منابها.

وهناك عشرات الأمثلة التي يمكن إيرادها، تلتقي كلّها عند استحضار الازدواج في الموقف والشعور، وذلك تبعاً لانعدام القوى التي يتأدّى عن عملها صون البلدان والجماعات الوطنيّة في ظلّ علاقات مقبولة من الاستقرار وحكم القانون والانفتاح على العالم.

فبعد أكثر من نصف قرن من النظام الأمنيّ المتجبّر، الفئويّ والإباديّ، ومعه تكلّسٌ ثقافيّ وقِيَميّ طال شؤون الحياة والإيمان والتعليم من غير استثناء، ها هو المشرق ينتصب مساحةً مريضة ومرضيّة، تنسحب منها السياسة وتتربّع في صدارتها الولاءات القرابيّة والعصبيّة، الطائفيّة والإثنيّة، التي يجمع بينها شَبَه في المضمون وتنافس على التسلّط.

بيد أنّ الفشل الذي انتهت إليه ثلاثة أحداث – تطوّرات، على رغم التفاوت في أهميّتها وتأثيرها، هو أكثر ما جفّف القوى الحيّة والواعدة، جاعلاً النهاية البائسة أقرب إلى قدر.

ففي 2003 لم يخرج من إطاحة صدّام حسين عراقٌ موحّد تنشأ فيه حياة سياسيّة تمتصّ النزعة الثأريّة وتحدّ من الولاء الطائفيّ والإثنيّ أو تعمل على ترويضه. وكان للنخبة السياسيّة التي اندفعت إلى توسيع حصّة النفوذ الأجنبيّ على حساب السيادة الوطنيّة دور حاسم في تعزيز الوجهة هذه وتكريسها.

وفي 2005 حيلَ دون تحوّل «الاستقلال الثاني» في لبنان مقدّمةً لبناء مجتمع سياسيّ حديث مرشّح لعبور طوائفه. وهو ما تواطأت لإنتاجه ثقافة متخمة بالولاء العصبيّ، وعنف اغتياليّ متسلسل، وافتعال لحرب 2006 بهدف قطع الطريق على أيّ تغيير إصلاحيّ في الداخل.

وكانت الطامة الكبرى مع هزيمة الثورة السوريّة بعد سنة ونيّف على قيامها في 2011، وتناسلها في حرب أهليّة. فالنُوى الحديثة التي قادها السعي إلى تغيير مدنيّ وسلميّ لم تقو على الصمود أمام نظام بالغ الشراسة من جهة، وأمام ميليشيات إسلاميّة ضيّقة الأفق من جهة أخرى. وبسبب موقع سوريّا المركزيّ في منطقتها، فتحتْ هزيمة الثورة الباب واسعاً لتعفّنٍ ضرب أطنابه في سائر المشرق، لا في بلدها وحده، وهذا قبل أن تصاب الأجندة التقدّميّة بنكبة «طوفان الأقصى» وطغيان القضايا البليدة والقديمة إيّاها.

وإذ بُدّدت الفرص الثلاث الكبرى، وسط عالم عربيّ كانت تتلاحق انهياراته في ليبيا واليمن والسودان، غدا المشرق مجرّد مساحة لـ «لعبة الأمم»، دلالةً على قوّة العناصر الخارجيّة وامتدادها في ميليشيات محلّيّة تابعة لها. وإذ تبدو الخرائط كلّها في مهبّ الريح، تتوحّد المشاهد عند جماعة تقصف جماعةً وأعداد من السكّان تهيم على وجهها جائعة خائفة مذعورة.

وهكذا لا يتبقّى لنا سوى القحط والصِفريّة السياسيّين يدعواننا إلى شيء من التواضع والرجوع إلى الأسئلة الأولى: ما الوطن والمواطنة؟ ما الدولة؟ ما السياسة؟ من أين يكون البدء؟. فبأسئلة كهذه نعاود الاتّصال بتاريخ جمّده مزيج الطغيان الأمنيّ والترهّل الفكريّ والثقافيّ. أمّا مع القوى المترسّبة على اختلافها، بالمتصارع منها والمتحالف، فلا ينتصر واحدنا مع مَن ينتصرون ولا ينهزم مع من ينهزمون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 أن تكون مع لا أحد  أن تكون مع لا أحد



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib