لبنان برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

لبنان: برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

المغرب اليوم -

لبنان برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

إذا استبعدنا التشكيك بأغراض بعض الممانعين، وهو استبعاد صعب، واعتبرنا أنّ أفعالهم تعبّر عن وجهة نظر، جاز القول إنّهم يدفعون اللبنانيّين إلى استكمال هزيمتهم باسم انتصار مزعوم وموعود. ذاك أنّ أفعالهم تهبّ في وجه بديهيّات وحقائق تتراكم تحت عيوننا وأنوفنا: فنحن اليوم مهزومون بقوّة، لا لأنّنا نحبّ الهزيمة ونعشق التهويل، بل بسبب مقاومة جرّتنا إلى حرب خسرتها، وخسرها محورها، على نحو مهول، ما جعلنا جميعاً مهزومين شئنا أو أبينا. وما المطالبة بأن تكون المقاومة أداتنا في الخروج من الهزيمة سوى المطالبة باستخدام الداء دواءً، ودفع المرض تالياً إلى سويّة الموت.

في المقابل، يحاول رموز العهد الجديد، أي الرئيسان جوزيف عون ونوّاف سلام، ضبط الهزيمة عند الحدّ الذي بلغته. وهي مهمّة بالغة الصعوبة، يزيد في صعوبتها وقوعها بين استفزاز لفظيّ، توريطيّ وتخوينيّ، يمارسه المهزومون، وخططٍ فعليّة قد تكون خطط المنتصرين الإسرائيليّين.

فالموقع التفاوضيّ اللبنانيّ ضعيف جدّاً بسبب الحرب التي تلت انهياراً اقتصاديّاً فادحاً. والدولة العبريّة تعمل على استثمار هذا الاختلال إلى آخر قطرة فيه، فتقول للبنانيّين إنّها لن تسحب قوّاتها في الموعد الممدّد، أي بعد يومين. وبحسب تسريبات صحافيّة، لم تقبل تلّ أبيب بعروض تسوويّة كحلول قوّات دوليّة، أو حتّى أميركيّة، في النقاط التي تتمسّك بالبقاء فيها. وهي ترفق مواقفها بغارات وإقامة إنشاءات عسكريّة وخروق لجدار الصوت إلخ...، مهدّدةً بإحباط الكثير من الآمال التي أثارها انتخاب رئيس جمهوريّة وتشكيل حكومة.

والنهج هذا يبدو أنّه يتعدّى لبنان. فقبلذاك استقبلت إسرائيل سقوط الأسد وفراره، وقيام وضع جديد في سوريّا، بتكثيف ضرباتها الجوّيّة وتوسيع المساحة الترابيّة التي تحتلّها في الأراضي السوريّة، فجاءت أفعالها أشبه بمأتم يخترق العرس.

وتسمح تلك الأفعال والأقوال بافتراض أنّ إسرائيل، بعجرفتها وعدوانيّتها المعروفين، ولكنْ أيضاً بمساواتها الصارمة بين السياسة وتوازن القوى، تستقبل الوضعين الجديدين في البلدين بإذلالهما عبر إخضاعهما لامتحانات بالغة القسوة.

صحيح أنّ الاعتبار الأمنيّ، وتحديداً ضمان أن لا يتكرّر 7 أكتوبر، هو ما تبرّر به تلّ أبيب سلوكها. لكنّ المرجّح أنّها لم تعد تكتفي بالحصول على مقابل أمنيّ، بل ربّما راهنت على جني عوائد سياسيّة إن لم تُدفع مضت تبتزّ الوضعين الجديدين وتُهينهما.

ولا شكّ أنّ فوارق كبيرة تفصل بين التجربة الحاليّة وتجربة الثمانينات. لكنّ التداعي السببيّ المحض الذي أفضى إلى قيام الحالة الراهنة يوفّر للإسرائيليّين استلهام علاقتهم بالرئيس اللبنانيّ المنتخب بشير الجميّل. ونعرف أنّ مناحيم بيغن طالبه، في لقاء نهاريا الشهير، بتوقيع معاهدة سلام وإلاّ سحقه بوصفه مجرّد «ناكر جميل».

بيد أنّ الفوارق تضاعف اختلال التوازن: فجلافة بيغن كان يردعها نسبيّاً رئيس الولايات المتّحدة يومذاك رونالد ريغان. فالأخير، رغم انحيازه الكبير للدولة العبريّة، أسّس موقعاً موازياً لموقعها، لا موقعاً متطابقاً معه، أكان حيال الجميّل أو حيال لبنان نفسه. ففي صيف 1982، وحين تجاوزت القوّات الإسرائيليّة جنوب لبنان وبدأت بقصف منظّمة التحرير الفلسطينيّة في بيروت كانت المكالمة الشهيرة الغاضبة بينه وبين بيغن، فطالب الأوّلُ الثاني بوقف العمليّة. وإبّان الغزو، تدخّل ريغان تدخّلاً مباشراً حين هدّدت إسرائيل بتفجير فندق «الكومودور» حيث يقيم عشرات الصحافيّين الأجانب، ثمّ فرض قيوداً على المعونات العسكريّة لتلّ أبيب لإجبارها على الانسحاب من بيروت والداخل اللبنانيّ. ولاحقاً، مع عهد أمين الجميّل في مفاوضات 17 أيّار، تواطأ الأميركيّون مع اللبنانيّين للحدّ من جموح الإسرائيليّين. أمّا اليوم، مع ثنائيّ ترامب ونتانياهو، فالتطابق أكبر كثيراً من التباين.

والحال أنّ نظريّة «الشرق الأوسط الجديد» التي ينسبها نتانياهو إلى نفسه قد ترتّب على الوضعين الجديدين ديوناً لم يَستدِنها أيٌّ من البلدين. فإذا صحّ أنّ بشير الجميّل دُفع دفعاً إلى طلب العون الإسرائيليّ، فهذا ما لم يفعله أحمد الشرع أو جوزيف عون ونوّاف سلام. مع ذلك قد يعاملهم نتانياهو بوصفهم مَدينين لما فعله، يحاولون مداراة حرجهم بالمضيّ في الإنكار والتكتّم. وهذا جميعاً يعزّز، في تلّ أبيب، رغبات الإذلال والإهانة، بقدر ما يمعن في إضعاف الموقع التفاوضيّ الضعيف للوضعين الناشئين. وبسبب جنون غير عابىء بالمسارات السياسيّة والديبلوماسيّة، بتنا نرى كيف أنّ الحكومات التي لم توقّع معاهدة سلام تُعامَل كما تُعامَل القوى غير الدولتيّة والميليشيويّة، فيستمرّ اعتصارها وانتهاك سيادتها إلى أن تدفع ثمناً سياسيّاً ترغب فيه إسرائيل.

فالوضع إذاً دقيق وحسّاس، يستدعي تضافراً واسعاً حول برنامج مسؤول يضبط الهزيمة عند الحدّ الذي بلغته، في ظلّ توازن قوى بالغ الاختلال. أمّا الممانعون المشهّرون بعون وسلام، والماضون في ألعاب تجمع السخافة إلى الخبث، والخفّة إلى الارتهان، في المطار وغير المطار، فيُستحسن أن يوقفوا دفع لبنان إلى الهاوية بحجّة إنقاذه كما «أنقذوه» خلال حربهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها لبنان برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib