السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه

السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه!

المغرب اليوم -

السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

يمتنع كثيرون عن طرح سؤال مُلحّ، بل حارق، وامتناعُهم هذا يبلغ حدّاً يجعلهم، كلّما لاح لهم شَبحُ ذاك السؤال، يسارعون إلى تمويهه أو ربّما إلى ابتلاعه. أمّا السؤال فهو: كيف نجمت عن كارثة «طوفان الأقصى» تلك الكارثة الأخرى التي أنزلها ويُنزلها الإسرائيليّون بالشعب الفلسطينيّ، بحيث قال مؤخّراً القياديّ الحمساويّ موسى أبو مرزوق إنّه لو توقّعَ النتائج لما كانت العمليّة أصلاً. وكيف، من جهة ثانية، حملت تداعيات العمليّة نفسِها بشرى للشعبين السوريّ واللبنانيّ، إذ سقط نظام مجرم عاش عقوداً مديدة في دمشق، وقُوّضت في بيروت ميليشيا «حزب الله» التي كاد يتراءى أنّها دهريّة؟

ففي فلسطين، وبقسوة وحشيّة، نُزع عن الفلسطينيّين، حاليّاً وفي المدى المنظور، كلُّ تمكينٍ وقدرة، وهذا على الضدّ تماماً من التوقّعات الهوجاء التي سبق ترويجها من أنّ «طوفان الأقصى» وضعَ القضيّة الفلسطينيّة «على الطاولة». أمّا في سوريّا ولبنان فنشأت، ولو من حيث المبدأ، فرصتا تمكين كبريان لشعبي البلدين، بغضّ النظر عن الطريقة التي سوف يتصرّف بموجبها الشعبان والمجتمعان.

والسؤال شديد الحساسيّة لأسباب عدّة أهمّها أنّه يمسّ مسلّمات موروثة صنعتها إيديولوجيّات كثيرة تعاقبت علينا وأقنعتنا بـ «مصير واحد» – قوميٍّ لجميع العرب، أو دينيّ لجميع المسلمين، أو يساريّ لجميع الكادحين في المنطقة والعالم. وربّما كان الممانعون الورثةَ الوحيدين لتلك الخرافة، إذ يعتبرون النتائج التي حصدتها البلدان الثلاثة متساوية، إمّا في كونها كلّها انتصارات، أو في كونها تتساوى في الهزيمة، وأنّها بالتالي تعيد توحيدنا في تلك الهزيمة بوصفها «مصيرنا الواحد». لكنّ من يرى في سقوط نظام الأسد مأساة لا يفعل سوى إعلان انحطاط تلك السرديّة ذات المظهر المتماسك. وهذا بالضبط ما يفسّر محاولة بعض الممانعين البائسة تلفيق ابتهاج متأخّر جدّاً بسقوط بشّار الأسد.

والحال أنّ الجواب الأوّل عن السؤال، والذي يكاد أن يكون آليّاً، هو أنّ مسارات تلك البلدان أكّدت استقلاليّة واحدها عن الآخر في تلقّي الأحداث كما في انعكاس تلك الأحداث عليها. وهذا لئن لم يكن جديداً لمن أراد أن يرى الأشياء من خارج الخرافات التوحيديّة، فإنّه جاء هذه المرّة ساطعاً وعاصفاً يعجز الأعمى عن عدم رؤيته. وأنْ يتكشّف كلّ بلد عن وضع يخالف وضع البلد الآخر، بل يناقضه، فهذا من الحقائق الكبيرة والكثيرة التي غابت بالطبع عن بال مَن ارتكبوا «طوفان الأقصى»، متوهّمين «هَبّة الملايين» إمّا للصلاة في المسجد الأقصى أو لغرض آخر دينيّ أو دنيويّ.

لكنّ الجواب الثاني الذي يُسبغ بعض التعقيد على بساطة الجواب الأوّل فيتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة كما صنّعتها الممانعة، قبل أن تجد تتويجها الكارثيّ في «طوفان الأقصى». فالقضيّة تلك لم يُكتفَ بجعلها شيئاً متعالياً ومقدّساً لكنّه لا يُحلّ سياسيّاً، إذ أنّها وُضعت في مواجهة مصالح الشعوب وحرّيّاتها، بما فيها الشعب الفلسطينيّ نفسه. وفي هذا المعنى، وفي ظلّ الرعاية الإيرانيّة الدائمة، بات نظام كنظام الأسد، وميليشيا كميليشيا «حزب الله»، يحتلاّن مواقع متقدّمة في تمثيل تلك القضيّة وفي التعبير عنها.

بيد أنّ الممانعين بتصنيعهم القضيّة على هذا النحو لم يكونوا على بيّنة من أنّهم يسرّعون التحوّل نحو استقلاليّة القضايا الوطنيّة، وإن أعطوه مذاقاً مُرّاً، وأحياناً شوفينيّاً، كان يمكن تجنّبه. وهذا فضلاً عن كونهم، هم أنفسهم، أوّل مَن طحنهم ويطحنهم ذاك التحوّل. فهم طالبوا الشعوب بالكثير الذي يفوق طاقتها على الاستجابة والتلبية، ذاهبين بعيداً جدّاً في مناقضة الوجهة العميقة لتبلور المجتمعات والسيادات الوطنيّة، كما لتحوّلات الأجيال وتطلّعاتها.

لكنّ أذى القضيّة لم يقف عند هذا الحدّ. إذ بنتيجة عقود متوالية من سياسات إلحاق البلدان المعنيّة بها، جاءت الفرصة الكبرى التي توفّرت للسوريّين واللبنانيّين منقوصة ومثلومة. ففي لبنان نقاط محتلّة على الخطّ الحدوديّ، وفي سوريّا أراضٍ احتُلّت وأضيفت إلى ما سبق أن احتُلّ في 1967. هكذا قد يجد البَلدان نفسيهما مضطرّين إلى تنازلات كان يمكن تفاديها. فبعض ما يُخشى اليوم أن تُجبر إسرائيل البلدين والوضعين الجديدين فيهما على دفع كلفة باهظة، إنّما أقلّ من كلفة الالتحاق بالقضيّة، والاستمرار فيه، أو على إبقاء تحرّرهما الجديد معاقاً وموقوفاً إلى مدى زمنيّ يصعب تقديره. وفي هذه الغضون لا يُستبعَد في تلّ أبيب أن تراهن على نزاعات أهليّة لدينا تشكّل ورقة أخرى بين أوراقها التفاوضيّة.

في الأحوال كافّة، يلوح وضع سوريّا ولبنان، فيما هما يبارحان وضعين كارثيّين، كمن تراكمت فواتيره الكثيرة وبات مطالَباً بأن يدفعها مرّة واحدة كي يستطيع إكمال سيره إلى الأمام. لكنّه يلوح أيضاً امتحاناً لقدرتنا على ممارسة السياسة المصحوبة بالمسؤوليّة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه السؤال الذي يتحاشى الكثيرون طرحه



GMT 22:32 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 22:19 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 22:18 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

GMT 22:17 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دولة فلسطينية مستقلة حجر الزاوية للسلام

GMT 22:15 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تعريفات ترمب هزّت العالم وأضرّت أميركا!

GMT 22:14 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 22:13 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

GMT 22:12 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

لبنان امتحان لسوريا… وسوريا امتحان للبنان

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:30 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

آسر ياسين يحل ضيفًا على عمرو الليثي في "واحد من الناس"

GMT 06:45 2022 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

سيرين عبد النور تتألق في فساتين مميزة وجذّابة

GMT 17:30 2022 الأربعاء ,14 أيلول / سبتمبر

تصاميم حديثة لأبواب المنزل الخشب الداخليّة

GMT 22:41 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

السعودية تعلن عن عدد الُحجاج موسم هذا العام

GMT 01:51 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

تطوير روبوت يمكنه أن يفتح الأبواب بنفسه

GMT 23:24 2021 السبت ,16 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل استدعاء نورة فتحي للتحقيق في قضية غسيل الأموال

GMT 16:18 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

خبر صادم لأصحاب السيارات المستعملة في المغرب

GMT 21:29 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أسباب الإقدام على تغيير زيت الفرامل باستمرار في السيارة

GMT 04:06 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور منصف السلاوي يكشف عن موعد استخدام لقاح "فايزر"

GMT 18:11 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التفاصيل الكاملة لإلغاء حفل سعد لمجرد في مصر

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib