لبنان بين «الفيجِيلنتي» المحلّي والإقليمي

لبنان بين «الفيجِيلنتي» المحلّي والإقليمي

المغرب اليوم -

لبنان بين «الفيجِيلنتي» المحلّي والإقليمي

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

الفيجِيلنتي (vigilante) ظاهرة عرّفتنا بها السينما الأميركيّة، ويُرجّح أنّ كلينت إيستوود كان أهمّ رموز هذا الجنس السينمائيّ المشوّق.

«الحارس اليقِظ» قد يكون التعريبَ الأدقّ للكلمة. فهو من يأخذ على عاتقه إحقاق حقّه وحقّ جماعته بيده، فلا تغمض عينه عن خطأ، ولا يستريح إلاّ بعد تقويمه. وهو يفعل ذلك لشعوره أنّ الدولة غافلة عن مسؤوليّتها، ومؤسّساتها فاسدة ومتواطئة، فيما تطبيق القانون يرتّب إجراءات معقّدة تحبط المُطالِب بالعدل الفوريّ. وربّما كان للفيجيلانتيّة مصدر آخر مفاده أنّ المجتمع نفسه ساهٍ عن مخاطر تتهدّده ويحول التواؤها دون تنبّهه إليها.

وتلك التصوّرات ليست عديمة الصلة بأفكار تفوقها تعقيداً، كالفوضويّة (الأناركيّة) في عدائها للدولة، وفكرة أنّ العنف المباشر يصنع التغيير، والتي لا يقتصر حملها على الفاشيّين، أو التمثيل النخبويّ لشعب لا يعرف مصالحه، ولا حاجة إلى استشارته في تمثيله.

والميليشيا، إذا صدّقنا مزاعمها الآيديولوجيّة، تنطوي على كثير من الفيجيلنتيّة. فهي، وتجربة «حزب الله» بليغة، تقدّم نفسها طرفاً يحرّر ويحمي نيابة عن دولة غائبة ومتواطئة وعن مجتمع ضالّ ومضلّل.

بيد أنّ أكثريّة اللبنانيّين يجدون أنفسهم اليوم أمام فيجيلنتية إقليميّة تسارعت علامات غضبها على ما تقرّره السلطات الشرعيّة اللبنانيّة. فقد افتتح الحملة وزير الخارجيّة الإيرانيّ عبّاس عراقجي مبشّراً بأنّ خطّة بيروت لحصر السلاح ستفشل، تلاه عضو المجلس الاستراتيجيّ للعلاقات الخارجيّة بطهران، علي باقري كنّي، فرأى أنّ نزع السلاح لن ينجح لأنّ الحزب «تيّار نابع من داخل الشعب اللبنانيّ». أمّا مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، فأكّد معارضته القرار لأنّ سلاح الحزب «لطالما ساعد الشعب اللبنانيّ والمقاومة»، وما يصحّ في «حزب الله» في لبنان يصحّ، عنده، في «الحشد الشعبيّ» العراقيّ، إذ لولاه «لابتلع الأميركيّون العراق». وأمّا حجّته التي لا تُدحض فإنّ الحشد «يؤدّي في العراق الدور نفسه الذي يؤدّيه (حزب الله) في لبنان».

والنزعة الفيجيلانتيّة تقيم عميقاً في التجربة الإيرانيّة منذ ثورة 1979. فعامذاك أنجزت مصر وإسرائيل معاهدة كامب ديفيد للسلام، وكانت مصر حتّى ذاك الحين أكثر الدول العربيّة تورّطاً في الحرب مع الدولة العبريّة وتحمّلاً لأكلافها الباهظة. وإذ بدا لوهلة أنّ ثمّة أفقاً سلميّاً قد يرتسم في أفق المنطقة، أعلنت الجمهوريّة الإسلاميّة عزمها على «إزالة إسرائيل»، وأطلق الخميني عبارته الشهيرة: «لو كان المسلمون متّحدين، لاستطاعوا إغراق إسرائيل بأن يتولّى كلّ واحد منهم قذفها بسطل من الماء».

بطبيعة الحال يبقى الفارق كبيراً بين الفيجيلنتي المحلّيّ والآخر الإقليميّ. فالأوّل هو الذي سيقاتل ويُقتل في ما لو سارت الأمور في لبنان على ما لا يرام. وهو الذي يتولّى الأدوار البذيئة كتلك الحملة التشهيريّة التي يتعرّض لها رئيس الحكومة نوّاف سلام، وكذلك الأدوار الترويعيّة، التي فقدت الكثير من قدرتها على الترويع، كعراضات الدرّاجات الناريّة في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. وإذ يتفرّغ الفيجيلنتي الإقليميّ لتحسين موقعه التفاوضيّ دوليّاً، كما يحاول ربط قضيّته بقضايا بلدان أخرى كروسيا (التي يجمعها به العداء لمشروع الممرّ الأذريّ – الأرمنيّ)، فالفيجيلنتي المحلّيّ يزداد ضيقاً وانحصاراً، وتزداد قضيّته انقطاعاً عن أيّة قضيّة أخرى يُعنى بها اللبنانيّون. وبينما يشدّد الفيجيلنتي الإقليميّ، مبالِغاً أو غير مبالِغ، على «وحدة الإيرانيّين حوله دفاعاً عن الوطن»، يقضي ستّة من الجنود اللبنانيّين بانفجار مخزن أسلحة خلّفه الحزب في الجنوب.

بطبيعة الحال تجمع بين الطرفين رواية تأسيسيّة واحدة. فكمثل صورة «حزب الله» عن لبنان ودولته بوصفهما لاهيين عمّا يحيق بهما، إن لم يكونا متواطئين معه، رسمت إيران صورة عن المنطقة بوصفها ضالعة في مشاريع خيانيّة واستكباريّة شتّى. وبالطبع فإنّ الخلاص والأمل، هنا وهناك، معقودان على الطرفين الفيجيلانتيّين إيّاهما.

أمّا اليوم فهذه الرواية بات خللها المنطقيّ يجعلها تبدو قليلة الجدّيّة. فلو أنّ السلاح الذي يُراد التمسّك به عاد مظفّراً من حروبه لأمكن هضم فكرة التمسّك به. أمّا الحكمة المعمول بها فمن طبيعة عجائبيّة مفادها التالي: بما أنّ هذا السلاح قد هُزم شرّ هزيمة بات من المُلحّ التمسّك به! وهذا منطق مستمدّ من قاموس جمع الآثار والتحف المتعلّقة بما انقضى وزال.

هكذا بتنا أمام أفكار غير مقنعة تضاف إلى أسلحة غير مخيفة. فلا الحارس كان حارساً ولا اليقظ يقظاً. ووضع كهذا يضاعف الحضّ على تنفيذ خطّة الحكومة اللبنانيّة، وإن كان لا يعفي من توجّس مشروع وضروريّ. ذاك أنّ العلاقة بين «الحارسين اليقظين» علاقة عاشق بمعشوق، ما تتراجع الحسابات العقلانيّة أمام حمولته الشعوريّة. وهي علاقة تغدو انتحاريّة مع إصرار العاشق على إرضاء المعشوق كائناً ما كان الأمر وكائنة ما كانت الأكلاف. فالعاشق يرى المعشوق حتّى لو اختفى الأخير واندثر، فإن لم يره بالبصر رآه ببصيرة فاسدة. وهو ما قد يدمّر الاثنين، وفي طريقه قد يدمّر آخرين نحن منهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بين «الفيجِيلنتي» المحلّي والإقليمي لبنان بين «الفيجِيلنتي» المحلّي والإقليمي



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib