معجزة الرئيس الحي

معجزة الرئيس الحي

المغرب اليوم -

معجزة الرئيس الحي

إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

توقف قلب الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان، ورثاه ثلاثة رؤساء من مواطنيه. الحالي ماكرون، والسابقان ساركوزي وهولاند. وحين توفي شيراك في العام الماضي حضر جنازته أربعة رؤساء فرنسيين. وفي الولايات المتحدة لديهم خمسة رؤساء أنهوا عهودهم وما زالوا أحياء يتنفسون. مشهد طبيعي عندهم وسوريالي عندنا.
في بلاد الديمقراطيات السعيدة يخرج رئيس الجمهورية من قصر الحكم ويذهب إلى بيته، ليكتب مذكراته، ويلبي الدعوات لمحاضرات وملتقيات دولية. يظهر في المناسبات الوطنية، ويستمزجون رأيه في القضايا المُلحة. تُرفع صوره من الدوائر الرسمية بكل احترام وتحفظ في المخازن. لا تُمزق ويُبصق عليها وتُلطخ بالقاذورات أو تُضرب بالنعال. ينحتون للرئيس السابق تمثالاً في متحف الشمع؛ لأنه جزء من تاريخ الأمة.
وفي بلاد الانقلابات السعيدة لا يخرج الرئيس من القصر إلا خلعاً بـ«الكَرَتة»، وهي تلك الكف التي تستعمل لارتداء حذاء ضيق. أي بالغصب. ولأنه زعيم أوحد فإن دوره في الحكم لا ينتهي بالتداول؛ بل غفلة، اغتيالاً أو إعداماً بالرصاص أو بالمشنقة، أو بالركلات واللطمات، وبما هو أدهى، أو يُقتاد إلى المُعتقل. وفي أفضل الأحوال إلى المحاكمة والإقامة الإجبارية.
في سنواتي المبكرة وجدت في مكتبة أبي مذكرات الزعيم الهندي جواهر لال نهرو. كان عنوانها: «من السجن إلى الرئاسة». أربكني العنوان؛ لأن الأمور تجري عادة بالمقلوب، أي من الرئاسة إلى السجن. وكان عليَّ أن أكبر لأفهم أن الطريق بين الموقعين سالكة وطبيعية. وهي تطول وتقصر حسب الظروف. وقد طبخت السجون كثيرين من زعماء العالم الثالث. مات نهرو بالسكتة القلبية، وقضت ابنته إنديرا اغتيالاً، ومثلها ابنها راجيف، رغم أن للهند نظاماً ديمقراطياً.
حتى تلك الدول البعيدة في أميركا اللاتينية، تعلمت منذ استقلالها كيف تحترم صناديق الاقتراع. كانوا يسمونها للسخرية «جمهوريات الموز»؛ لكن يحدث أن يشق رؤساؤها الطريق الشرعي من الزنزانة إلى كرسي الحكم. فعلها هوغو شافيز في فنزويلا، ثم مات بالسرطان، ونجا من مصير سلفادور الليندي في شيلي. هل اغتيل في انقلاب العسكر أم انتحر؟ وفي كوبا التصق كاسترو بالكرسي لأكثر من ثلاثة عقود. رحل عن تسعين عاماً بعد أن نجا من 638 محاولة اغتيال، حسب المصادر الرسمية في هافانا. وغرد دونالد ترمب: «مات كاسترو». كلمتان لا ثالثة لهما. كان لقبه «القائد الأقصى»، يعني: ليس بعده بعد!
في العراق، ورث الفريق عبد الرحمن عارف الحكم من شقيقه الرئيس عبد السلام. مات الشقيق في حادث طائرة قيل إنه مُدبر. واشتهر الرئيس الجديد بأنه متواضع ومسالم. وقف يخطب مودعاً القطعات العراقية الذاهبة إلى حرب 67 مع إسرائيل، موصياً الضباط والجنود: «لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا امرأة». استلهم زمن الفتوحات، وغاب عنه أن نصف جيش العدو من النساء. انقلب عليه البعثيون، ولم يرمَ بالرصاص أو يُعلق على مشنقة أو يُسحل. لا خوف منه. أركبوه طائرة وأبعدوه إلى إسطنبول. كسر قاعدة «من القصر إلى القبر» ومات ميتة ربه. وتلك لعمري نعمة فذة. سمحوا له، في سنوات تالية، بالعودة إلى العراق. فوجئ باستدعائه إلى القصر الجمهوري لتكريمه مع عدد من الشخصيات الشهيرة. أعطوا لكل واحد سيارة على سبيل الهدية. يُروى أن جلوسه تصادف بجانب المغني حاتم العراقي، ولم يكن أحدهما يعرف الآخر. كانت حصة المطرب سيارة من نوع «بيجو» وحصة عارف سيارة «مرسيدس». مال المغني على الرجل المسن وسأله: «عفواً أستاذ، ماذا تشتغل؟». أجاب الرئيس السابق: «كنت عازف الطبلة وراء المطربة زهور حسين».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معجزة الرئيس الحي معجزة الرئيس الحي



GMT 22:58 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سباق التسلح الجديد؟

GMT 11:26 2025 الجمعة ,30 أيار / مايو

مستحيلات يمنيّة… بعد ربع قرن على الوحدة

GMT 11:25 2025 الجمعة ,30 أيار / مايو

سر الأردن.. بعد 79 عاما من الاستقلال

GMT 18:02 2025 الجمعة ,23 أيار / مايو

بناهي ينتظر «سعفة» بينوش!

GMT 19:59 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

حياة عادية

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح

GMT 12:05 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ميسي يعلن أنه لن يلعب لأي فريق أخر في أوروبا

GMT 13:40 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

الرجاء يخوض منافسات كأس الكاف بقميص جديد

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الوردي والذهبي مع الباستيل آخر صيحات موضة 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib