ذكرى سميح القاسم

ذكرى سميح القاسم

المغرب اليوم -

ذكرى سميح القاسم

إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

ستة أصياف فرّقت بين رحيل محمود درويش في أغسطس (آب) 2008، وبين أغسطس 2014، تاريخ غياب صديقه سميح القاسم. ظهرا سوية تحت لافتة شعراء الأرض الفلسطينية المحتلة. ثم تفرقت بهما السبل. كان سميح يصف محموداً بأنه «شطر برتقالتي». شطران لا يتساويان.

جاء سميح القاسم إلى باريس بعد حرب الخليج الثانية. سئل هل تهشّم لديه حلم الوحدة العربية؟ أجاب أن هذا السؤال يؤلم مثل حكم بالجلد تسعاً وتسعين جلدة. قال: «إذن أنا مُعاقب على حلم، ويكون حلمي خطيئتي، وأعمدتي منهارة، والأرض تتهاوى تحت قدميّ، وهناك من يتساءل عن جدوى بقائي بعد كل هذا الانهيار. أهي دعوة للانتحار؟ ليكن! فأنا عنقاء الرماد، والعربيّ العصيّ على الانقراض، وأنا الإنسان المتشبث بحقه الأبدي في الحلم وفي الجهاد تحت راية هذا الحلم. وفي النهاية، فإن خطيئتي التي لا يريد أحد أن يغتفرها، أي الحلم بالحرية والعدالة والوحدة، هي وردة جميلة وتفاحة شهية وحجر متماسك. وما أنا ممن ينتحرون ولا ممن يستسلمون».

إلى القاهرة، كان أول خروج له من الأرض المحتلة نحو بلد عربي. وبعدها تونس. ثم جاءته دعوة من دمشق وفسّرها رابين على أنها «خطوة في طريق السلام». قال سميح القاسم إن لقاءه بأهله حالة لا يستطيع رابين مقاربتها، ولا حلف شمال الأطلسي. إن الخارج يلتغي تماماً حين يلتقي الشاعر «ناس القصيدة». وهو حين يلتقي ناس قصيدته فإنه يكتشف القوة الخارقة للشعر. عندها ينمو شعر شمشون من جديد ويعود جباراً إلى أن تقصّ شعره نكبة تالية أو نكسة جديدة أو خيبة مفاجئة.

آمن بأن لقاء القصيدة بناسها هو أكبر مولّد للطاقة في التاريخ. غير أن المشكلة فيمن يضع السلاسل في رسغ الشاعر ويأمره: قف مكانك. أنت شاعر فلسطيني فحسب، ما لك ولسائر شعوب الأمة؟ وكان سميح القاسم عنيداً. «أنا شاعر لفلسطين وللعرب وللعالم. وحدة الإنسان هي بذرة قصيدتي وستنمو شجرتي بلا انقطاع».

في لقاءاته بالمثقفين في مصر وتونس وسوريا، كان كمن يواصل لقاء سابقاً. تأكد له أن الوحدة حقيقة قائمة على المستوى الثقافي، وإن التعددية الثقافية غير محكومة بالخرائط السياسية الآتية من الخارج. كان يتجدد لديه، في كل لقاء، الإحساس بأن جنونه الوحدوي ليس عبثياً. فنحن في النهاية أمة واحدة رغم كل عوامل التشرذم.

لا ينسى سميح القاسم الحقد الذي ملأ صدره يوم النكسة. كان نزيلاً في سجن الدامون، على جبل الكرمل، ومكبرات الصوت موجهة نحو السجناء تعلن، بين فينة وأخرى، سقوط موقع عربي جديد، ثم تتبع الإعلان العسكري بإذاعة أغنية خفيفة مرحة. غادر السجن إلى سجن أكبر. وقال إنه يشعر بالانشطار كلما ركب طائرة في طريق العودة إلى... وطنه.

ماذا عن انهيار الاتحاد السوفياتي؟ عادت به الذاكرة إلى دعوة كان قد تلقاها للقاء غورباتشوف مع 800 من مبدعي العالم وأهل الفكر والدين والفلسفة. قال إنه كان لقاء رائعاً ومشجعاً. وخيل له أن ذلك الزعيم سينقذ الاتحاد السوفياتي من علّة الميراث الستاليني، وسينقذ العالم من داء الدولة الكبرى الوحيدة. هل كان وهماً؟ رجاء؟ أمنية؟ دعاء؟ حلماً آخر؟ يسأل سميح القاسم نفسه ويجيب: «نعم، هذا ما اتضح فيما بعد. وأنا أتمنى للشعب الروسي كل التقدم والسعادة لأنني لست ممن يخونون الماضي ويجاملون الحاضر».

مضى تاركاً قصيدته لناسها: «الحذاء الذي لفظته الدروب/ الحذاء الذي مزّقته الخيانات/ واستنزفته الحروب/ ظلّ من بعده/ ظلّ يمشي إلى بيته».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى سميح القاسم ذكرى سميح القاسم



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 20:23 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله
المغرب اليوم - عمرو دياب يثير الجدل بما فعله في حفله

GMT 09:34 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

الرجاء يخاطب منخرطيه قبل الجمع العام

GMT 05:15 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"قميص الدنيم" لإطلالة أنيقة ومريحة في آن واحد

GMT 07:07 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ناصر بوريطة يناقش قضايا متعددة مع وزيرة خارجية السويد

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 20:46 2019 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

اعتقال رجل يقود سيارته برفقة زوجته "المتوفاة"

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وجهات مشمسة لقضاء عطلة صيفية في قلب الشتاء

GMT 17:46 2014 السبت ,14 حزيران / يونيو

"سابك" تنتج يوريا تزيد كفاءة محركات الديزل

GMT 11:48 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

لن أستحيي أن أضرب مثلا في حبكم .. عجزي ….

GMT 20:50 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ماركة "LIODADO" التركية تصدر ملابس سبور رائعة

GMT 17:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الاختلاف والتميز عنوان ديكور منزل الممثل جون هام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib