الإرهاب بوجوه مختلفة

الإرهاب بوجوه مختلفة

المغرب اليوم -

الإرهاب بوجوه مختلفة

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

الإرهاب له تعريفات مختلفة ومتنوعة وفق مجتمعات مختلفة، فقد عرّفه الفرنسي كريستوف بوتيتي بأنه «أعمال عنف تستهدف المدنيين البريئين، بهدف خلق جو من اللا أمن لأجل تحقيق أهداف سياسية»، وأيضاً عرّفه الكاتب الأميركي والتر لاكوير بأنه «نوع من استخدام الطرق العنيفة بصفتها وسيلة، الهدف منها نشر الرعب في المجتمع لتحقيق تغيرات سياسية».

الإرهاب اليوم أصبح يهدد الوجود الإنساني في العالم، ويهدد السلم العالمي والمجتمعي؛ سواء المجتمعات المنتجة والمفرخة للإرهاب أو تلك التي تُؤوي أو تتعرض للضربات حيث تعاني من الإرهاب في كل مكان. وتتنوع أوجه الضربات بين تفخيخ وتفجير وانتحار وطعن وذبح بالسكاكين ودهس وسحل بالعربات. هنا وهناك، ضربات الإرهاب الغادرة كثيرة ومتعددة ومتنوعة في العدد والحجم ونوع الضحايا، فمن قُتل في فرنسا كان شرطياً مسلماً يدافع عن ضحايا باريس من آخر متطرف تلبّس بمفهوم خاطئ للدين، ليؤكد أنه ليس حكراً على دين أو طائفة أو مكان يمكن أن يكون موطناً افتراضياً له.

الإرهاب لا موطن ولا دين له، ولكن تحكمه ظروف وأسباب ومسببات وتقاطع مصالح يمكن استغلالها فيه، فالإرهاب أصبح اليوم بضاعة عالمية وليست محلية، ويمكن تدويره وتصديره واستخدامه سلاحاً للضغط على الدول لتمرير سياسات محددة، وذلك بالتساهل مع هذه الجماعات أو احتضانها.

الإرهاب أكثر دموية، حتى أصبحت القرى والبلدات تستيقظ كل صباح على مذبحة مختلفة؛ من قطع رؤوس وتهشيم أعضاء بالسكاكين والسيوف والفؤوس، لأطفال ونساء وشيوخ. أساليب مختلفة بين تفجير أو حاجز مزيف أو ذبح لسكان قرية نائمة، تنوعت فيها الضحايا. واستمرت العمليات الإرهابية وكبر حجم ضحاياها، حتى أصبحت بعض الدول في حالة حرب مع هذه الجماعات الضالة التي تنتهج المنهج التكفيري وتختبئ في كهوف الجبال، ولم يكن معلوماً مصادر تمويلها ولا من يحرّكها.

الإرهابي تتفاوت الغرائز الدافعة لسلوكه بين البشر، نتيجة البناء السيكولوجي للفرد، مثل الرغبة السادية في القتل ورؤية الدم، وغياب أو تغييب الثقافة، ومصادرة حق المرجعية العلمية في التفسير والفتوى، حتى عمّت فوضى الفتوى، ونتج عنها جنوح أو غلوّ في فهم الدين، مثل التأثر بتفسير النص الديني، وجعله في مقام النص في حرمة التخطئة؛ إذ قد تدفع إلى الإرهاب، ومنها حالة التمرد والاستهانة بالقيم الدينية؛ مما قد يتسبّب في حالة العنف دفاعاً عن تلك القيم المهانة.

ولعل ما ساعد على انتشار حالات الإرهاب هو دخول مناطق مضطربة أصلاً، مثل الشرق الأوسط، في صراعات سياسية أقحمها في مشروع توطين الفوضى «الخلاقة» التي سُمّيت بـ«الربيع العربي»؛ مما تسبّب لاحقاً في فراغ سياسي في دول عدة، وخلق الفوضى العارمة؛ مما أدى إلى تكاثر الميليشيات، كما حدث في ليبيا والعراق واليمن، بوصفها نموذجاً لظاهرة الميليشيات المؤدلجة خاصة، التي دفعها التعصب إلى مبدأ فكري أو ديني للجوء إلى استعمال العنف وممارسة الإرهاب للوصول إلى السلطة.

تفاقم ظاهرة الإرهاب ليس مسؤولاً عنه فقط حالة الفراغ السياسي وغياب السلطة المركزية التي تسبّب فقدانها في ظهور حالات العنف وانتشار جماعات التكفير والغلو. بل حتى تكبر الدول العظمى وتعزّز نفوذها وسطوتها وهيمنتها على الدول الضعيفة قد تسعى لإزالة ما يعوق تقدمها، ولو أدى ذلك إلى استخدام أيادٍ إرهابية، خصوصاً إذا كان الإرهاب ممنهجاً بشكل سياسي.

الإرهاب يستهدف أسس المجتمعات، ويهدد قيم السلام والعدالة، فالإرهاب يزداد أيضاً بالنظر إلى الأعداد الكبيرة جداً من المنظمات الإرهابية التي تمارس نشاطاتها، وتتوزع جغرافياً حول العالم وحسب معتقداتها، وأحياناً هي بنادق مستأجرة لا معتقد لها سوى المال.

حتى الجماعات «الثورية» التي استخدمت العنف وسيلة هي جماعات إرهابية لا تختلف عن تلك الآيديولوجية الدينية المتطرفة، فحتى «الثورية» هي الأخرى آيديولوجية، ومتى استخدمت العنف وسيلة للتغيير تصبح إرهابية.

ليست هناك مجتمعات أو مكان آمن أو محصّن من ضربات الإرهاب، ما دام هناك من يُنتجه أو يُؤويه، وبالتالي المعالجة تبدأ من محاربة الفكر المنتج للإرهاب ثم التمويل والمأوى، وهذا يحتاج إلى تكاتف دولي، وليس محاربة فردية تنتهي بالفشل بالمعالجة والتشخيص الخاطئ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب بوجوه مختلفة الإرهاب بوجوه مختلفة



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 19:34 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة
المغرب اليوم - فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib