«فخ» زيلينسكي في البيت الأبيض رسالة خطرة إلى العالم

«فخ» زيلينسكي في البيت الأبيض... رسالة خطرة إلى العالم

المغرب اليوم -

«فخ» زيلينسكي في البيت الأبيض رسالة خطرة إلى العالم

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

استنهض اللقاء المثير للجدل الذي عقده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض الكثير من الصور والمقولات... كي لا نقول «نظريات المؤامرة».إلا أن ما حدث كان رسالة إلى العالم تحمل درساً لأولئك الذين لا يزالون أسرى لأفكارهم القديمة عن نمط تفكير الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومنظومة قيَمه، وفهمه لآليات السياسة، وتعريفه للأعداء والحلفاء أو الأصدقاء، ومدى احترامه للمؤسسات والأعراف والعلاقات التاريخية.

إن ما سجلته الكاميرات والمايكروفونات كان أقرب إلى «الفخ» الذي نصبته إدارة الرئيس ترمب للزعيم الأوكراني منه إلى حوار سياسي جاد بين «حلفاء»، بغض النظر عن اختلاف الأحجام. ومع أن زيلينسكي كان يُدرِك سلفاً - على الأرجح - أن واشنطن اليوم غير واشنطن الأمس... فإنني أشك بأنه كان يتوقّع مواجهة «فرقة إعدام»، كما حدث واقعياً على الملأ.

معروفٌ سلفاً أن معظم التعهدات والالتزامات الأميركية إزاء أوكرانيا قُطعت وتعزّزت إبان حكم الديمقراطيين منذ عام 2014. عبر سنوات باراك أوباما (بين 2009 و2017) وجو بايدن (2021 - 2025) التي تخللتها فترة رئاسة ترمب الأولى بين 2017 و2021. وما تأكد، سواءً إبان سنوات حكم ترمب، أو شعاراته الانتخابية، أو تصريحاته الإعلامية، أنه من «قماشة» مختلفة تماماً ليس عن سابقيه الديمقراطيين فحسب، بل أيضاً عن نسبة لا بأس بها من الرؤساء والقادة الأميركيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

هنا قد يقول قائل إن الرجل يتمتع باستقلالية فكر تسمح له بـ«التفكير خارج الصندوق». وطبعاً سيقول آخرون إن الأيام تغيّرت، والمفاهيم ومعها الأخطار السياسية تغيّرت. ولقد أبصرت النور تحديات مهمة، تستوجب أسلوباً جديداً من التعامل يقوم على «التحرر» من قيود التحالفات الموروثة والاعتبارات، التي تقيّد الرئيس وتَحدّ من خياراته وقدرته على المناورة.

كل هذا صحيح، وهو انطبق حتى في الماضي القريب على التعايش بين «مدرستين» من مدارس الفكر المحافظ الذي طغى شيئاً فشيئاً على الحزب الجمهوري، أقله، منذ مطلع القرن الـ20.

الدليل على ذلك أن الحزب العريق كان يزخر بالتيارات اليمينية واليمين وسطية، بل وحتى الوسطية والتقدمية. وإذا كان لنا استعراض حفنة من الأسماء التي لمعت خلال القرنين الـ20 والـ21 في سماء الحزب وأروقته، لرأينا يمينيين محافظين متشدّدين، كالسيناتور روبرت تافت والسيناتور جوزيف مكارثي والسيناتور والمرشح الرئاسي السابق باري غولدووتر والحاكم ورئيس الجمهورية السابق رونالد ريغان، ثم الحاكم والرئيس جورج بوش «الابن». هؤلاء رفعتهم في الساحة السياسية الجمهورية والأميركية، قبل عصر ترمب، ظواهر متشددة، مثل «المكارثية» و«الصدام مع الشرق» و«الغالبية الأخلاقية» (وجه المسيحية الإيفانجيلية)، ثم «المحافظين الجدد» (نتاج تحالف يمين المسيحيين الدينية والليكودية اليهودية و«لوبي» السلاح).

بالتوازي مع هؤلاء، كانت هناك التيارات الواقعية واليمين وسطية، التي يمكن أن يندرج تحت أبرز ممثليها الرئيس السابق الجنرال دوايت آيزنهاور، والحاكمان والرئيسان السابقان ريتشارد نيكسون وجورج بوش «الأب»، ومن الحكام والسيناتورات والمرشحين الرئاسيين توماس ديوي وروبرت دول وجون ماكين ومات رومني.

وأخيراً، كان بين ألمع الوسطيين الليبراليين والتقدميين، تاريخياً، الرئيس السابق ثيودور روزفلت (اليساري بمقاييس اليوم)، ومن الحكام والسيناتورات نائب الرئيس السابق نيلسون روكفلر وجاكوب جافيتز وتشارلز بيرسي وجون تشايفي (كان وزيراً للبحرية) وجيمس جيفوردز.

التعددية المشار إليها داخل الحزب الجمهوري ما عدنا نراها الآن في الفترة الرئاسية الثانية لدونالد ترمب. بل إن كل الظواهر المتشدّدة السابقة الذكر، بدت في أيامها... أشد إيماناً بأسس الديمقراطية ومؤسساتها وتقاليدها التي يتقدمها مبدأ فصل السلطات، وأكثر اقتناعاً بالتعايش بطريقة أو بأخرى مع الرأي الآخر.

كل تلك الظواهر، على الرغم من جموحها، كانت أقل جنوحاً إلى «الشخصنة» و«التأليه» من ظاهرة «ماغا» (جَعل أميركا عظيمة مجدداً)، التي تشكل راهناً ليس فقط القاعدة السياسية الشعبوية للرئيس ترمب، بل البديل الفعلي لكل «التقاليد» السياسية التي طالما احترمها الحزبان الجمهوري والديمقراطي على اختلاف أجنحتهما وتياراتهما.

ظاهرة «ماغا»، ومِن خلفها الرئيس ترمب طبعاً، لا تقيم اليوم وزناً لفصل السلطات، ولا لتداول الحكم، ولا استقلال القضاء، ولا تعترف بصحة أي انتخابات لا تنتهي لمصلحة مرشحها. وهي من أجل تحقيق غاياتها ما تردّدت لحظة في اقتحام مقر الكونغرس (مبنى الكابيتول) في واشنطن، الذي هو «قدس أقداس» شرعية الديمقراطية الأميركية. ومن جهة ثانية، جار الإجهاز حالياً، بالتعاون مع مليارديرات من «أخطبوطات» المال غير المنتخبين، على ما تبقى من «الصفقة الجديدة»... التي أقرّت خلال ثلاثينات القرن الـ20 بعد «الكساد الكبير»، من أجل توفير شبكة أمان للمواطن الأميركي.

هذا على الصعيد الداخلي. أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد سقطت كل المحظورات، وتحوّل العدو التقليدي إلى صديق، والحليف إلى خصم اقتصادي مزعج، وصارت أراضي «الجار» مساحات مغرية سائبة قابلة للضم والاحتلال والشراء القسري، أو مناطق يجب عزل أهلها غير المرغوب بهم خلف جدران عزل!

كل ثقافة واشنطن السياسية الموروثة من أيام «الحرب الباردة» سقطت... طبعاً باستثناء التماهي الكامل مع أطماع أقصى اليمين الاستيطاني الإسرائيلي.

صحيح أن كل الإشارات الخاطئة إلى العدو والصديق بوشر بإرسالها منذ 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن الإشارة «الأخطأ»، والأخطر التي وجهتها واشنطن دونالد ترمب إلى العالم بأسره... كانت المعاملة المهينة بالأمس للرئيس الأوكراني.

بعد الأمس... لا طمأنينة لحلفاء واشنطن في الشرق الأقصى وفي أوروبا الغربية، ولا رؤية لشرق أوسط مستقر قابل للحياة، ولا لجنوب آسيا بمأمن من الكوارث النووية، ولا لأميركا جنوبية لافظة لأنظمة شعبوية رعناء لا تتعظ ولا ترتدع!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فخ» زيلينسكي في البيت الأبيض رسالة خطرة إلى العالم «فخ» زيلينسكي في البيت الأبيض رسالة خطرة إلى العالم



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 19:44 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”
المغرب اليوم - فضل شاكر يطلق أغنيته الجديدة “أحلى رسمة”

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib