مليون طن من الغرور

مليون طن من الغرور

المغرب اليوم -

مليون طن من الغرور

سمير عطاالله
بقلم : سمير عطاالله

في الدول المتهالكة، المفتقرة لمقومات البقاء ومكونات السيادة، تتحول «الحكومة» إلى نكتة شعبية تُلقى عليها جميع الملامات، من الفقر إلى الطقس إلى تقلبات الطبيعة. وذلك لأن الحكومة الفاشلة تصبح رمزاً للفراغ الوطني، وانهيار المؤسسات، واستباحة القانون، وعبث السلطة السياسية بمرجعيات الاستقرار، كالقضاء والمال والأمن. وهكذا تختصر الشعوب اليائسة شكواها في مسؤول واحد هو «الحكومة» باعتبارها كياناً كاريكاتورياً قابلاً للسخرية وعاجزاً عن تحقيق أي شيء.

أفجع ما حدث في فاجعة بيروت أن زلزال المرفأ ليس عدواناً إسرائيلياً كالذي يتخوف منه الجميع، بل مسألة إهمال قضائي إداري جمركي يعبّر عن مدى انهيار الدولة، والخلو من أي نوع من أنواع الشعور بالمسؤولية أو الخوف من المحاسبة أو المساءلة، ناهيك بالعقاب.

2700 طن من المواد شديدة الانفجار مخزّنة في قلب بيروت برغم وجود قرار قضائي بنقلها من هناك. يتم اغتيال رئيس للجمهورية (رينيه معوض) ولا يصدر في اغتياله تحقيق أو حكم أو استنكار. ينهار الاقتصاد والنقد والخزينة ولا يحال على المحاكمة محاسب أو مراقب، ولذلك، يصبح من الطبيعي أن تتحول بيروت إلى ركام وحطام بفعل تخزين كميات هائلة من المتفجرات، تعرف الحكومة بوجودها وتعتبر أن المسألة طبيعية مثل وجود، أوعدم وجود، الحكومة نفسها!

الإسفاف في ازدراء الناس والبلاد والحقوق يعوِّد المسؤول على فقدان الشعور باحترام الذات. ويتكون في ذاته شعور مرضي بأنه صاحب الحق المطلق. ولا يعود يميّز بين ما يحق له وما هو حق للدولة. أنا أنطونيو وأنطونيو أنا، على ما قال شوقي. أو أنا الدولة والدولة أنا، كما أعلن لويس الرابع عشر.

تفجير بيروت وتشريد 300 ألف إنسان ليس مصدره حامض الأمونياك في المرفأ قرب غلال القمح ومستودعات الأغذية. مصدره سلطة لا تكف عن الاستعلاء على الناس والقانون وحكم السوية. ودولة تتلهى بالمناصب والمكاسب وهي تعوم فوق آلاف الأطنان من كل أنواع المتفجرات والأخطار والكراهيات والمخاوف.

اختلفت ردود فعل الناس للوهلة الأولى. البعض ظن أنها عودة الحرب الأهلية. والبعض قال إنه صاروخ إسرائيلي وجزم أنه شاهد طائرة إسرائيلية تقذفه على المخزن. والبعض قال إنه تفجير في منزل الحريري الابن عشية صدور الحكم في اغتيال الحريري الأب.

لم يخطر لأحد أنها أطنان متفجرات لا يعرف أحد من أين أتت ولماذا بقيت وإلى أين كانت ذاهبة ولماذا. ولا أحد يعرف إن كان يحق لمرفأ بيروت المدني أن يستقبل، أو يمرر، هذا النوع من «البضائع». 2700 طن كافية لتحويل المدينة إلى هيروشيما، وحياة الناس إلى كارثة بحيث أصبحت صورة البلد تشبه صورة الدولة، بعدما قاوم ذلك إلى وقت طويل.

كان اللبناني يفكر وهو يتأمل المشهد المروع، في كل شيء. وفي جميع الناس والدول. ولم تخطر له دولته لحظة، لقد أدمن عدم وجودها. حتى «الحكومة» لم تخطر من قبيل النكتة. المأساة هذه المرة أكبر من ذكر الفراغ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مليون طن من الغرور مليون طن من الغرور



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib