الحشر والطوفان

الحشر والطوفان

المغرب اليوم -

الحشر والطوفان

سمير عطاالله
بقلم : سمير عطاالله

يصل المهاجر (وليس اللاجئ) إلى البلد الجديد، وهو مرتبك. يقرأ علامات الطرق عدة مرات خوف الضياع. يتردد خجولاً قبل أن يطرح السؤال عن العنوان المتجه إليه. يشعر كأن كل من حوله يعرف أنه غريب. خصوصاً المهاجرين الذين سبقوه. وهؤلاء في صورة خاصة، كانوا يتمنون لو أنه لم يأتِ. كثرتهم سوف تنفّر منهم أهل البلد. سوف ينافسونهم على المساعدات الاجتماعية والأعمال الصغيرة، لكن ليست الصغيرة جداً، فهذه لا يقبلها الأوروبي.

يدرك المهاجر أنه سوف يظل غريباً إلى زمن طويل. وسوف يحمل لكنته معه. وسوف يتزوج من ابنة عمه لا من زميلته في العمل، أو جارته التي ترفض السلام عليه. وهو لن يقرأ أي صحيفة، أولاً لكي يوفر ثمنها، وثانياً لأن ليس فيها ما يعنيه، إلا إذا أصبح ابن عمه رئيساً للوزراء. وهنا تتفاقم غُربته. فابن العم لا يريد من حوله كل هؤلاء الأغراب وسراويلهم الواسعة ولكناتهم غريبة اللسان خشنة الحناجر.

يبدأ المهاجر الجديد بكره وطنه الجديد. ومع الأيام تكبر عزلته ويزداد تمسكاً بأكل الكاري والفلفل والثوم. وتنمو هذه العادات والمظاهر مثل جدار فاصل من دون الأمل ببرلين أخرى. الجدران النفسية لا حجارة لها كي تُحطم.

في الجانب المقابل، هناك ابن البلد. لونه مختلف ولغته مختلفة ويقرأ صحيفته في المترو، ويوالي حزب المحافظين منذ أيام الملكة فيكتوريا. وإذا كان رئيساً للوزراء مثل بورس جونسون يساكن النساء من دون زواج ويقيم حفلات رأس السنة في داونينغ ستريت. ثم كفى. الدولة في حاجة إلى من يحبها لا إلى من يحب نفسه.

استعمر الرجل الأبيض البلدان الملونة، واستغل ثرواتها والآن تريد تلك الشعوب استرداد أرباح الشراكة. ولكن في زمن آخر ودنيا مختلفة. مقتل الشاب الجزائري الأصل في باريس على يد شرطي مثل مقتل جورج فلويد على يد شرطي في ولاية مينيسوتا، يعبّر عن كره كامن وحقد متبادَل. الشبان الذين أحرقوا مدن فرنسا يريدون إحراق الحياة الطبيعية التي يعيشها الفرنسي.

جاءوا وهم يحلمون بخيرات الإمبراطورية ووجدوا أحياء من الصقيع وجداراً من الصقيع النفسي. نقيضان تحت سقف واحد، كلاهما يبحث عن حقه. لا حق في الأحقاد. وإذا كانت الهجرة الرسمية أدت إلى هذا الوضع، فكيف بهجرة زوارق الحشر وطوفان اللاجئين؟

مع مرور الزمن لم يعد سهلاً البحث عن حقوق أو العثور عليها. والحرائق والتدمير ليست نضالاً. النضال الحقيقي والصعب هو المصالحة. وهذه حقيقة تتطلب شيئاً من الجرأة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحشر والطوفان الحشر والطوفان



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:10 2025 الجمعة ,13 حزيران / يونيو

إلهام شاهين توجّه رسالة الى المرأة المؤثّرة
المغرب اليوم - إلهام شاهين توجّه رسالة الى المرأة المؤثّرة

GMT 19:37 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يكرم نزهة بدوان

GMT 13:39 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

إبراهيم البزغودي يوضّح أسباب تراجع نتائج الجيش الملكي

GMT 22:26 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

عرض الموسم الثالث من عروض "مسرح مصر" على "MBC مصر"

GMT 20:17 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

مجلس النواب يخلد اليوم العالمي للبيئة

GMT 11:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

توجيهات عاجلة بمحاسبة المقصرين في أزمة أمطار جدة

GMT 01:13 2017 الأحد ,17 أيلول / سبتمبر

نصائح مهمة من مي الجداوي لديكور منازل المصيف

GMT 17:51 2016 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

ما هي الميكانيزمات الدفاعية؟

GMT 00:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هاريز تؤكد أن ترامب يحدر ويسعي لسلطة مطلقة

GMT 02:39 2024 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

إلغاء عقوّبة إيقاف الركراكي

GMT 09:06 2023 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

أفكار متنوعة لاختيار ألوان غرف نوم العرسان

GMT 17:15 2023 الخميس ,29 حزيران / يونيو

أفكار لإطلالات كاجوال أنيقة لنهار العيد

GMT 06:32 2023 الأحد ,23 إبريل / نيسان

انقطاع شبه كامل لخدمة الإنترنت في السودان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib