صاحبا المقدّمتين

صاحبا المقدّمتين

المغرب اليوم -

صاحبا المقدّمتين

بقلم -سمير عطاالله

الشّبَه ليس كلّياً، لكنّ مواقعه كثيرة. وفي أي حال؛ ما هي إلّا مغامرة، أرجو أن أسامَح عليها. لعلّ أثر نيكولو ماكيافيلّي في علم السياسة يقارب أثر ابن خلدون في علم الاجتماع. وفي الحالتين، هو أثر محصور بالفكر الغربي؛ لأنّ الفكر العربي لم يلتفت إلى الأول، أو ربما لم يعرف به، ولا قدّر علوم ابن خلدون بما تستحقّ، إلّا بعدما أصبح مرجعاً – وربما المرجع الأوّل – في علم الاجتماع في الغرب.
الغريب في الشّبَه بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، أنّ كليهما عاش حياته؛ إمّا في خدمة السلطان، وإما مضطهَداً منه. وقد تنقّل ابن خلدون بسبب تلك العلاقات في مغرب العالم العربي ومشرقه. أمّا مقام ماكيافيلّي ومنفاه، فبقيا معاً ضمن حدود إيطاليا التي لم تكن قد اتّحدت بعد، في القرن الخامس عشر. ولا نعرف أيضاً - أو بالأحرى؛ لا أعرف - ما إذا كان المفكّر الإيطالي قد تأثّر، وإلى أي مدى، بفكر ابن خلدون، أو إن كان قد اطّلع عليه في الأساس. لكنّ ذلك يبقى احتمالاً كبيراً بسبب سعة الثقافة عند الإيطالي، وسعة السمعة عند ذلك العالم العربي المذهل.
الفارق الأساسي بين الرجلين، أنّ ماكيافيلّي قد ظُلم كثيراً، ولا يزال. لقد وضع الرجل عدداً من الكتب والنظريات، لكنّ العالم توقّف فقط عند ما سُمّي «الماكيافيلّية»، وهو الجزء القاسي والانتهازي من تعاليمه. وتجاهل الجميع دعواته إلى الفضائل والخير والمساواة. كما تجاهلوا الحياة النموذجية التي اختارها والده برناردو للعائلة، بعيداً عن السعي إلى النفوذ والاحتماء بالأقوياء. بل هو مَن وضع كتاباً عنوانه بكلّ بساطة «الفضيلة». وقد احتلّ منصباً دبلوماسياً رفيعاً طوال 14 عاماً في جمهورية فلورنسا، سخّر من خلاله تلك الفترة للتوفيق بين الخصوم، والبعد عن التآمر، والتبشير بالقيم الأخلاقية التي كانت سائدة منذ أيام الإمبراطورية الرومانية. لعب ابن خلدون دوراً مشابهاً إلى أقصى الحدود عندما تنقّل مستشاراً بين الحكّام؛ من الأندلس إلى مصر إلى دمشق. وإذا كان ماكيافيلّي قد عُدّ رمزاً من رموز النهضة في فلورنسا، وهي النهضة التي رعاها بالدرجة الأولى الحكّام من آل ميديتشي، فإنّ عصر النهضة في العالم العربي، لم يُسمَّ كذلك إلّا بعد قرون على صاحب «المقدّمة». وما زال الخلاف قائماً حول مفاهيم النهضة وتحديد معانيها وآثارها. إن بضع أشجار لا تصنع غابة، كما هو معروف. ولا أعتقد أنّ ثمّة مجالاً للمقارنة بين النهضة الأوروبية التي شملت جميع نواحي الحياة والآداب والفنون والفكر؛ وبين النهضة العربية التي اقتصرت على أعمال متواضعة في نقد المسبوقات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صاحبا المقدّمتين صاحبا المقدّمتين



أحلام تتألق بإطلالة ملكية فاخرة باللون البنفسجي في حفلها بموسم جدة

جدة - المغرب اليوم

GMT 01:04 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروب "كافي توبا" الحلال يحارب بطالة السنغال

GMT 17:36 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

التراس الرجاء البيضاوي تهاجم سعيد حسبان وتصفه بالخبيث

GMT 15:44 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الفيلا صديقة البيئة المكان المناسب لقضاء العطلة

GMT 09:02 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مليون زهرة شتوية تزين شوارع عنيزة في المملكة السعودية

GMT 03:18 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

عرض الفيلم المغربي "عمي" خلال مهرجان "مشاهد عربية" في واشنطن

GMT 06:35 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين "أرامكو" و"غانفور" لشراء فرضة "ماسفلاكت" للنفط
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib