مفكرة القرية السند

مفكرة القرية: السند

المغرب اليوم -

مفكرة القرية السند

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

 

يجلسون في الساحة، ظهورهم إلى جدار المدرسة، جهة الشرق. الغرب أمامهم. الشمس سوف تستأذن بعد قليل. عادة يومية رتيبة، لكن ألوانها تتغير مثلما يغير الأطفال آراءهم. لا يتغير جلساء المقعد الحجري. يوسف، ونعيم، وسليم، ويوسف الذي من الأرجنتين. الأول من اليمين، نعيم. يعتمر قبعة واسعة عاد بها من ماساتشوستس. وإلى جانبه يوسف (خوسيه) الأرجنتين، وهو ذو ضخامة عاد بها من بوينس آيرس، ثم نعيم يعتمر طربوشاً داكناً، ويرتدي قمبازاً بهتت ألوانه الفاتحة على مرّ السنين.

الأربعة يسندون ظهورهم إلى الجدار كما لو أنهم يفعلون ذلك بأمر عسكري. لقد بلغوا سن الخوف، بعدما أمضوا سنوات عدة في التقاعد. إنهم يتحركون الآن كما لو أنهم في بقعة فارغة خالية من الجاذبية. والفراغ مفزع مثل العتم. لا يفارقهم العكاز، ولا يرون جداراً إلا ويستندون إليه. السقوط مخادع في مثل هذه الأعمار، والموقر نعيم يريد أن يستكمل سرد حكايته عما حصل له في أول الحرب الكبرى. مسلسل مشوق الحلقات، ومخيلة لا تنضب.

«السند» كلمة جوهرية في آداب الساحة. وفي البيوت تنادي الأم ابنها البكر، سندي، لأنه عندما يتعب الأب من الزرع والفلاحة وينزوي مثل حصان هرم على أطراف المراعي، سوف يرث الابن مهمة السند. العالم بقعة خالية من الجاذبية لا تؤتمن. السند حكمة الحياة ودرع المجهول.

يعرف أهل القرى ذلك من الجفاف الرهيب، أوالفيضانات المتلاحقة، أو الثلوج التي تثقّل الأغصان حتى تلوي أعناقها، وتجردها من الحياة والثمر. وعندها الويل لشجرة الخوخ الذهبي، الواقعة على طرف الساحة، جهة يوسف الأول، يوسف القبعة. الويل. فلا ألوان تكون، ولا عناقيد الخوخ تثقل الأغصان، وتجمل طلعة الصيف عندما يطل. الصيف له طلة، يقول أهل الساحة وعابروها. سند الفلاحين، ووسيم الحقول والفصول. يجب دائماً التأهب ضد الخلل في نظام الأشياء. الطبيعة ضعيفة مثل البشر. سريعة العطب، وسريعة الهبوب، وعزلاء تخاف الوحدة والمواسم المجردة من الأنس.

لذلك يبحثون دائماً عن مساند. يسمون الوسائد والجدران المخدات. والابن البكر والأب المهاجر، يسمونهما سنداً. ويعرضون مظاهر القوة والردع حيث يستطيعون.

رجال المقعد الحجري في الساحة، لهم جميعاً شوارب كثيفة معقوفة ضد المعتدين. فقط الوحدة تهزمهم. والخوف منها. ولذلك يأتون إلى الساحة، ويتخذون مقاعدهم، يكررون حكاياتهم، يروون «أخبار (هاديك) تلك البلاد»، وأحياناً يتحدثون عن وطنهم على أنه هو «البلاد». وكل بلاد هي «البلاد». وكل المواسم تمر بالناس، والناس تمر بالمواسم. مواسم الساحة هي الأقل تكلفة. طربوش، أو قبعة، أو حكايات في الهواء والمخيلات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية السند مفكرة القرية السند



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib