إيران واقعية ما بعد «الطوفان»

إيران... واقعية ما بعد «الطوفان»

المغرب اليوم -

إيران واقعية ما بعد «الطوفان»

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

يتحدَّث معلقون إيرانيون بارتياح على الشَّاشات عن آفاق المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة. بينهم من يلمح إلى أنَّ شهر العسل مع «الشيطان الأكبر» ممكن ووارد إذا صدقت نياته. يلفتون إلى ما يعتبرونه حاجة متبادلة. حاجة إيران إلى اتفاق يُخرجها من دائرة العقوبات والاتهامات، وحاجة الإدارة الأميركية إلى إنجاز بحجم اتفاق مع إيران في ملفها النووي. يقولون إنَّ لدى واشنطن ما تقدمه لطهران، وإنَّ العكسَ صحيحٌ أيضاً. ويشيرون إلى أنَّ العالم يعيش اليوم بلغة المصالح لا بلغة التعابير الحماسية التي تسود في مواسم التوتر.

لا يتردَّد بعضهم في القول إنَّ إدارة دونالد ترمب قد تشكل فرصة لإيران لأنَّها تريد الدخول إلى الأسواق الإيرانية وفرص الاستثمار. تستطلع شبكات تلفزيونية آراء مواطنين إيرانيين فتأتي الأجوبة أنَّ الزمن ليس زمن المواجهات المكلِّفة بل زمن التعاون واحترام المصالح. المشاركون في جولات الحوار الأميركي - الإيراني لا يترددون في الحديث عن أجواء مفيدة وبناءة وخطوات أولية يمكن البناء عليها.

كان يُفترض أن تكون المناخات الحالية بين واشنطن وطهران مناخات توتر على شفير المواجهة. سيد البيت الأبيض الحالي هو دونالد ترمب. إنَّه الرجل الذي مزق الاتفاق السابق الذي نجحت إيران في الفوز به في عهد باراك أوباما. وهو الرجل نفسه الذي أمر بقتل الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد. وهو أيضاً الذي قال لإيران قبل أسابيع إنَّ عليها أن تختار بين اتفاق جديد أو ضربة قد تأتيها من إسرائيل وبدعم أميركي. لم تعتد إيران قبول لغة التخاطب هذه لكنها قبلت هذه المرة.

من حق المراقب أن يتساءل عن سبب هبوب رياح الواقعية على الموقف الإيراني. هل تبحث إيران عن هدنة لأنَّ ترمب يعني ما يقول حين يهدد؟ هل تشعر بأن الرجل الذي اتخذ قراراً من قماشة قتل سليماني لن يتردد في إعطاء بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وبمساعدة أميركية لا بدَّ منها لإنجاز المهمة؟ هل استنتجت طهران ما يجب استنتاجه من سلسلة الحروب التي اندلعت بعد «طوفان الأقصى»؟ لم تستطع إنقاذ «حماس». ولم تستطع إنقاذ «حزب الله». ومشهد المواقع الحوثية تحت النار الأميركية لا يحتاج إلى تفسير. هل أدركت طهران حجم الخسارة التي شكَّلها إخراج سوريا من محور الممانعة وإخراج بشار الأسد منها؟ هذا فضلاً عن ميل العراق إلى النأي بنفسه عن أي حريق محتمل.

واضح أنَّ إيران اتخذت منذ سنوات طويلة قراراً قاطعاً بعدم الدخول في أي مواجهة عسكرية مباشرة مع أميركا. شاءت المهنة أن أسمع هذا الكلام من مسؤولين إيرانيين قبل سنوات طويلة. طرحتُ على من التقيتُهم في طهران سؤالاً بسيطاً وهو عن احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة في ضوء التوترات المتكررة. وجاء الجواب بصيغ مختلفة لكنه بمضمون واحد وهو: «إنك تسأل عن الحرب التي لن تقع». ولم يتردد بعضهم في القول إن إيران تجيد الإقامة على شفير الحرب من دون الانزلاق إليها.

طلبت تفسيراً لهذه القناعة باعتبار الحرب مستبعَدة فجاءت الأجوبة: دعك من لغة التعبئة والإعلام. إيران تعرف أن الجيش الأميركي قوة هائلة قادرة على تدمير أي هدف في العالم. لا مصلحة لنا في الاصطدام بقوة نعرف أنَّها قادرة على إعادتنا عقوداً إلى الوراء. الطائرات الأميركية يمكن أن تُلحق خسائر فادحة بمصانعنا ومطاراتنا وبكل ما حققناه منذ انتصار الثورة.

لكن مع التفسير تأتي تأكيدات: هذا لا يعني أبداً الاستسلام أمام طغيان القوة الأميركية. نحن نملك أوراقاً للضغط، ونجيد استخدامها. ثم إنَّ أميركا تعرف في المقابل أهمية إيران وحجمها واستحالة تكرار التجربة العراقية على أرضها، أي إسقاط النظام بغزو بري. كل هذا لا يعني أننا نقبل بالسياسة الأميركية في المنطقة سواء في فلسطين أو خارجها. نحن في مواجهة مع أميركا لكنها مواجهة في المنطقة وليست في الداخل الإيراني. لن تبقى المنطقة بُحيرة تصطاد فيها أميركا ما تشاء بغض النظر عن إرادة أهلها، ونحن لنا حلفاء في أكثر من مكان. الرهان على الأذرع وحروب الاستنزاف بالواسطة.

كان قرار تفادي المواجهة العسكرية المباشرة مع أميركا حاضراً في أصعب الظروف التي عاشتها المنطقة. وفي الوقت نفسه كانت إيران تقود انقلاباً كبيراً على الحضور الأميركي في الشرق الأوسط. كان الغرض من العمليات الانتحارية التي نُفذت في بيروت تقويضَ الحضور الأميركي والغربي في هذا البلد. وتولى الجنرال قاسم سليماني شخصياً هندسة عملية استنزاف الوجود العسكري الأميركي في العراق، وتسهيل تسرُّب «المجاهدين» إلى الأراضي العراقية.

وحقق الانقلاب الإيراني نجاحاً واضحاً حين تكرست سوريا حلقة ثابتة في المحور، وباتت طريق سليماني مفتوحة من طهران إلى بيروت بعد المرور في العراق وسوريا، لكن ذلك من الماضي. تغيرت بيروت وتغيرت دمشق. وها هم الحوثيون يستجيرون بالأنفاق في معركة بلا آفاق. تفكك المحور تحت وطأة الوحشية الإسرائيلية والدعم الأميركي والتفوق التكنولوجي.

هل سلمت إيران بأنَّ حقبة الانقلابات التي غيرت موازين القوى في المنطقة وأربع خرائط منها قد انتهت؟ لا شك أنَّ إيران التي ذهبت إلى المفاوضات الحالية مع أميركا ذهبت بأوراق أقل. «حماس» نفسها تطرح هدنة لخمس سنوات، وتعلن تخليها عن الرغبة في إدارة القطاع. «حزب الله» لا يملك هو الآخر خيارات كثيرة. يصعب عليه الرجوع إلى الحرب بعدما باتت سوريا في عهدة الرئيس أحمد الشرع. يُعرف أيضاً أنَّ أكثرية اللبنانيين تُعارض العودة إلى الحرب، وتؤيد حصر السلاح بيد الدولة.

المفاوضات الأميركية - الإيرانية مفتوحة. والقفز من القطار صعب، وينذر بعواقب وخيمة. وإيران تفاوض بواقعية ما بعد «الطوفان».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران واقعية ما بعد «الطوفان» إيران واقعية ما بعد «الطوفان»



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib