طائرة ورقية تخترق السماء

طائرة ورقية تخترق السماء!

المغرب اليوم -

طائرة ورقية تخترق السماء

بقلم - طارق الشناوي

لو ألقيت نظرة لأعلى ستجد عشرات من الطائرات الورقية تتعانق وتتناحر فيما بينها لامتلاك السحاب، لوحة بديعة أعادتني سنوات لبكارة زمن ولى، كنت أعتقد وإلى عهد قريب أنه لن يعود.
في مرحلة الطفولة ارتبط جيلنا بالطائرة الورقية، نتفنن في صنعها، بأوراق مزركشة من (السوليفان)، هدفنا إثارة دهشة الناظرين، وكأننا بصدد محاكاة لقوس قزح، تتعدد وتتناسق الأطياف والألوان لتسرق اهتمام العين، حجم الطائرة وتكلفتها تختلف على حسب قدراتنا الشرائية، وما يمكن أن يوافق عليه الأهل بما يمنحونه لنا من مصروف، المعضلة ليست فقط في تجهيز الطائرة للإقلاع، فهي تحتاج إلى موهبة لا تتوفر إلا لعدد محدود، وبالمناسبة تجاربي في هذا الشأن نادراً ما كللت بالنجاح، وغالباً ما أجد نفسي مضطراً للاستعانة بصديق، وبعد اكتمال صناعة الطائرة، ننتقل للمرحلة الثانية، التي نتسابق فيها على من يتمكن من إطلاقها لأعلى متفوقاً على أقرانه، ولا تحتفظ الذاكرة إلا بالقليل جداً من الانتصارات في هذا الشأن. الصراع كان يشتعل جواً بين أكثر من طائرة يتبادلان فيما بينها توجيه الضربات القاتلة، تطعن طائرة أخرى لتحدث بها ثقباً، ويأتي مشهد النهاية، تهوي على أثره الطائرة إلى قاع سحيق، بعد أن تفقد أعز ما تملك، وهو قدرتها على التحليق، وفي العادة يستعد المهزوم لمعركة ثأرية.
بعد سنوات ومن دون سابق إنذار، توقفت اللعبة، لست موقناً مما سأقوله لكم عن سر انحسارها، هذا التحليل مجرد اجتهاد مني يحتمل الصواب والخطأ. بعد هزيمة عام 1967 صار لدينا جميعاً ما يمكن أن نصفه بـ(فوبيا) الطائرات، التي تعني شدة الخوف، الهزيمة جاءت بعد ضرب الطائرات المصرية، وهي في الممرات الجوية قبل انطلاقها، تم تحطيم الجزء الأكبر من سلاح الطيران، أتصور أن الذاكرة الجماعية باتت ترفض تلك اللعبة، التي تثير بداخلنا مشاعر الانكسار، ثقل الهزيمة غير المتوقعة، ربما لعب دوراً في كراهية كل ما له علاقة بالطيران، وبعد انتصار 73 لم يتغير الأمر، وظلت سماء المحروسة خاوية من الطائرات الورقية، باتت للأطفال ألعاب أخرى تستحوذ أكثر على الاهتمام، كان من الصعب مع تطور الاهتمامات أن يعود الأطفال والشباب مجدداً للطائرة الورقية، كما أن سطح العمارات بات هو المكان المفضل لإريال التلفزيون، الذي كانت أهميته تكمن أكثر في زيادة حجمه، على عكس زمن الأطباق الفضائية التي تشغل الآن مساحات أقل.
في الأشهر الأخيرة بعد أن فرضت الجائحة قانونها على الجميع، وصار التباعد الاجتماعي هو القانون، عدنا مرة أخرى نستجير بالسطح، كما أن الأطفال باتوا يبحثون عن شيء آخر من الممكن أن يلمسوه واقعياً بعيداً عن الألعاب الافتراضية، عاد مرة أخرى الشغف لعشق الطائرة الورقية، السطح هو المكان الصحي لكي تمارس لعبتك المفضلة، أنت تتطلع للسماء، ولا أحد يقف بجوارك، التباعد والآمن الاحترازي يتحققان بسهولة، المكان المتسع يضمن لك ببساطة مترين مع من يقف بجوارك، كما أن شرط الهواء الطلق يعتبر أحد أهم الأسلحة ضد انتشار الفيروس.
هل تلك فقط هي الأسباب؟ النفس البشرية تشبه الصخرة الجليدية نرى فقط قمتها، ويبقى العمق الضارب في الجذور، وهو ما يحتاج لدراسة اجتماعية أشمل وأعمق، طائرة ورقية تخترق السماء في زمن كورونا، حكاية مختلفة ليست مثل كل الحكايات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طائرة ورقية تخترق السماء طائرة ورقية تخترق السماء



GMT 20:44 2025 السبت ,19 تموز / يوليو

الطعن على الوجود

GMT 13:16 2025 السبت ,28 حزيران / يونيو

حكومة فى المصيف

GMT 15:46 2025 الجمعة ,20 حزيران / يونيو

ترمب... وحالة الغموض

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

هند صبري.. «مصرية برشا»!

GMT 17:41 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

..وإزالة آثار العدوان الإسرائيلى

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 19:34 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة
المغرب اليوم - فرنسا تندد بمقتل ناشط فلسطيني في الضفة

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib