الداعية و«الترند»

الداعية و«الترند»

المغرب اليوم -

الداعية و«الترند»

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

في الفيلم المصري «العار» 1983، مشهد شهير يجمع بين نور الشريف ومحمود عبد العزيز، سأل محمود نور: «الحشيش حلال ولا حرام؟»، رد عليه بفهلوة أولاد البلد وسرعة بديهتهم: «إذا كان حلال أدينا بنشربه، وإذا كان حرام أدينا بنحرقه».

هذا هو التلخيص العميق لثقافة شعبية تلمح فيها تبريراً لتعاطي الحشيش. تذكرت هذا الحوار بعد التحقيق مع الداعية الشهيرة وأستاذة الفقه المقارن في جامعة الأزهر الشريف، وقد قررت الجامعة إيقافها عدة أشهر عن التدريس.

ارتبطت الداعية في السنوات الأخيرة بالكثير من الفتاوى التي أثارت الجدل، وتحولت إلى مادة ساخرة في المتابعات الصحافية وعلى «السوشيال ميديا»؛ فهي تقتحم مساحات فقهية تميل فيها إلى استخدام وسيلة النقل وليس إعمال العقل، مما يجعلها هدفاً لكل من يريد التقاط رد فعل مثير للجدل.

الكثير من تلك الفتاوى، سواء أعلنتها تلك الداعية أو آخرون، صارت تحتل مقدمة «الكادر»، ويتم تناقلها من موقع إلى آخر، مثل نكاح الوداع، وإرضاع الكبير، ومشاهدة الخطيب جسد خطيبته خلسة... وجواز ذلك شرعاً!

مثل هذه الأحاديث تثير شهية العاملين في البرامج للمزيد، وكل منهم ينتظر أن يحصل على «فرقعة»، مهما أعلنوا في برامجهم أنهم فقط يبحثون عن الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، فإنك من السهل أن تكتشف أن الأمر في عمقه لا يتجاوز تحقيق كثافة من المشاهدات.

هناك مثلاً من يشير إلى أغاني المطربين، وكان الشيخ الكفيف كشك في الستينيات والسبعينيات من أكثر المنتقدين لأغنيات أم كلثوم وعبد الحليم، فكان يسخر قائلاً: «عبد الحليم حقق في حياته معجزتين: الأولى أنه (يمسك الهوا بإيديه)، والثانية (يتنفس تحت الماء)!»، وتلك الكلمات تشير إلى مقاطع شهيرة في أغنياته.

الآن مثلاً عندما يسألون أحد الدعاة عن أغنية شادية: «غاب القمر يابن عمي... ياللا روّحني»، يطبقون عليها المعايير الدينية المباشرة قائلين: «إن ابن عمها لا يجوز شرعاً أن يخرج معها حتى منتصف الليل»، متجاهلين أن تلك الكلمات تشكل مقطعاً من «الفولكلور» الشعبي، ولا يجوز أن نقرأها بمعايير دينية مباشرة.

مأزق عدد كبير من الدعاة أنهم يلتزمون فقط بالقراءة المباشرة، مثل أن القرآن لم يحرم نصاً تعاطي الحشيش، في حين التحريم مباشر للخمر.

وتلك المقولة متوفرة بكثرة في الثقافة الشعبية المتداولة، ولا يمكن إنكارها. ومن هنا يأتي دور الإعلام في التوجيه، وتأكيد أن الحشيش، وغيره من المغيّبات، ينطبق عليه نفس قاعدة التحريم. ما تبذله الدولة بأجهزتها الرسمية من الممكن أن تسقطه فتوى أو قراءة خاطئة من أحد الدعاة، له مؤكد من يصدقونه وهم مغمضو العينين.

هل ما تعرضت له الداعية أخيراً يصبح درساً لمن يريد أن يتعلم؟ ما تابعته يشير إلى أن هذا الأمر لن يتوقف. ما ذكرته الداعية رداً على إيقافها عن التدريس، أن هناك إجحافاً، وهناك أيضاً الغيرة والحسد بسبب المكانة التي حققتها في السنوات الأخيرة، وأن الساحة صارت شبه خالية تقريباً من الداعيات، وهو ما تعتبره سبباً كافياً لمحاولة التصيّد، وتوجيه ضربات عشوائية لها من هنا وهناك.

لا أتصور أن الأمر سيتوقف، ما لم تعترف الداعية بأنها دائماً تقدم الفتوى التي تجعل الباب موارباً لأي تفسير شعبوي، فسوف تستمر المأساة كما هي، ويعلو في النهاية «الترند»، ويعلو أيضاً مجدداً صوت هذا الحوار: «إذا كان حلال أدينا بنشربه، وإذا كان حرام أدينا بنحرقه»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الداعية و«الترند» الداعية و«الترند»



GMT 23:14 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة فاشلة؟

GMT 23:11 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 23:09 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

«أبو لولو»... والمناجم

GMT 23:07 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ونصيحة الوزير العُماني

GMT 23:05 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

GMT 23:00 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا يكره السلفيون الفراعنة؟!

GMT 22:56 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الحرية تُطل من «ست الدنيا»!

GMT 22:54 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

من القصر إلى الشارع!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 09:44 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة
المغرب اليوم - ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة

GMT 18:48 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار
المغرب اليوم - مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 15:40 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 13:10 2015 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

فوائد الشوفان لتقليل من الإمساك المزمن

GMT 00:09 2016 الخميس ,10 آذار/ مارس

تعرف على فوائد البندق المتعددة

GMT 15:10 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تُشارك في بطولة العالم للجمباز الفني بثلاثة لاعبين

GMT 05:52 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

استخدمي المرايا لإضفاء لمسة ساحرة على منزلك

GMT 11:25 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تعرف على وجهات المغامرات الراقية حول العالم

GMT 10:10 2018 الأربعاء ,13 حزيران / يونيو

هولندا تدعم "موروكو 2026" لتنظيم المونديال

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

نجاة أحمد شوبير من حادث سيارة

GMT 09:26 2018 الخميس ,05 إبريل / نيسان

"الجاكيت القطني" الخيار الأمثل لربيع وصيف 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib