«فيها إيه يعني» «فيها وفيها وفيها»

«فيها إيه يعني».. «فيها وفيها وفيها!»

المغرب اليوم -

«فيها إيه يعني» «فيها وفيها وفيها»

طارق الشناوي
بقلم : طارق الشناوي

منذ اختيار العنوان «فيها إيه يعنى!»، يقفز المخرج الشاب عمر رشدى حامد فوق حاجز العناوين الإنشائية التى توارثناها، ليفتح الباب أمام خيالك كمشاهد، حتى تنطلق فى كل الاتجاهات، كما أنه يوقع أول بنود التعاقد، الذى يشير إلى أن الشريط السينمائى أشبه بجلسة بين أصدقاء، وكأنها فضفضة بلا أسوار ولا ضفاف، لا تتوقف كثيرًا عند الحبكة الدرامية بمفهومها التقليدى، وعليك أن تصبح أنت أيضًا مشاركًا فى استكمال الحكاية. ليس لدى الكثير عن المخرج الشاب عمر سوى أنه ابن لفنان مناظر راحل موهوب هو رشدى حامد، ولهذا أعتقد أنه تعمد كتابة اسمه ثلاثى، كما أنه فى مرحلة زمنية ممتدة كان من بين مساعدى المخرج الكبير شريف عرفة، وتلك المعلومة تشكل بالنسبة لى قيمة تشير إلى عمق البنية التحتية التى استند إليها المخرج الشاب، المؤكد أنه تشرب المهنة على أصولها على يد أحد أهم أساطين الإخراج فى مصر.

من أهم أسلحة المخرج التى تشير إلى موهبته، اختيار الفكرة، التى تبعث بداخله ومضات الإبداع، كل ما يبدو فى النظرة الأولى مستحيلًا من الممكن بزاوية أخرى أن يصبح ممكنًا، تلك هى الفكرة، كتّاب السيناريو الثلاثة وليد المغازى ومحمد أشرف ومصطفى عباس، فى تجربة سينمائية جريئة، أظنها أيضا الأولى لكل منهم، أبدعوا فى إيجاد معادل سينمائى لتلك الفكرة.

نجح المخرج فى تسكين الأدوار، وتحديدا البطل المحورى، اختيار ماجد الكدوانى هو نقطة الانطلاق، أحد أهم أصحاب المواهب فى التعبير السينمائى بكثافة وعصرية، ونضع خطين تحت توصيف عصرية، فن أداء الممثل دائم التغيير، من حقبة إلى أخرى، وماجد هو ملك الاقتصاد والتكثيف والإيحاء، تجاربه كبطل قليلة، له محاولتان، الأولى (جاى فى السريع) ٢٠٠٦ مع مخرج شاب فى أولى تجاربه، لم تسفر سوى عن فشل ذريع، الثانية بالمصادفة كانت آخر تجربة للمخرج الكبير المخضرم محمد خان (قبل زحمة الصيف) ٢٠١٥، لم يسفر أيضًا الأمر أيضًا عن نجاح جماهيرى، كانت هناك مشاكل فى الفيلمين أدت للفشل الجماهيرى، إلا أن السينمائيين لا يعنيهم سوى الرقم الذى يشير إليه (شباك التذاكر)، إذا لم يتحقق لا يعاودون الرهان على النجم مجددًا.

إصرار المخرج على اختيار ماجد بداية الخيط لهذا الفيلم الساحر، فلا يوجد بديل لماجد، رجل متقاعد بلغ الستين، يعيش ما تبقى له من زمن مع ابنته أسماء جلال وزوجها مصطفى غريب وابنتهما ريتال عبد العزيز، اختيار كومبوند فى (الشيخ زايد) يمنح المكان بطولة، واحدة من أهم التفاصيل التى تستطيع من خلالها أن تقرأ كيف يفكر المخرج ماجد بعد المشاهد الأولى يعود إلى بيته الأصلى فى مصر الجديدة، بما يحمله المكان من عبق الزمن، وتفاصيل تمنح الجيران مساحة من التواجد الاجتماعى، غير متوفرة بالطبع فى (الكومبوند)، يترك بيت ابنته المسيطرة على الجميع، واختار المخرج التعاطى مع الأكل الصحى الذى تتبعه بصرامة أسماء، ليشير إلى ما هو أبعد، الأكل الصحى يرمز إلى الالتزام بكل ما هو نظريا صحيح وصحى، إلا أن الحياة لا تستقيم ابدأ بتلك الصرامة، حتى لو كان الهدف هو الصحى والصحيح، وهكذا نجد بذور التمرد من سطوة الأم أسماء جلال، يشارك فيها بين الحين والآخر ماجد ومصطفى غريب وريتال عبد العزيز، العلاقة بين ماجد وحفيدته ريتال منسوجة بألق، فهى تحمل مفردات هذا الزمن وفارق نحو الخمسين عاما، تعنى أن الجد يتعلم أيضا من حفيدته كيف يطل على هذا الزمن.

(فيها إيه يعنى) يقدم تنويعات عميقة وموحية فى العديد من المشاهد وكأنها جملة موسيقية واحدة يتم عزفها بأكثر من آلة، وهكذا مثلا مشاهد الرغبة فى العزف على الكمان، تشاركه فى الرغبة حبيبته القديمة غادة عادل، ليتردد نفس السؤال: هل علينا الخضوع للمجتمع فى نظرته العنيفة لأى كسر للنمط السائد، أم نعيش الحياة كما يحلو لنا، وتتكرر كثيرا هذه الحكمة، الإنسان لا يندم على ما فعله بقدر ما يندم أكثر على ما لم يفعله.

المحظورات عالجها السيناريو بذكاء، حتى لا تثير غضب الرقابة، أتحدث عن تعاطى الحشيش، شاهدنا واحدا من أكثر مشاهد السينما قدرة على إثارة الضحك، وعن طريق الخطأ تعاطى ماجد وغادة الحشيش، لينطلق كل منهما فى التعبير عن مشاعره بلا محاذير.

الشريط السينمائى به الكثير من الإضافات التعبيرية لفريق عمل موهوب، اختيارات ملابس ناهد نصر الله، أتوقف مثلا أمام ماجد الكدوانى، فى التعبير عن الالتزام فى البداية، ثم التحرر فى المشاهد التالية، موسيقى خالد حماد معادل موضوعى سمعى لهذا السؤال الكامن «فيها إيه يعنى» فى كل تفاصيل الشخصيات، فى مساحات تعبيرية بقدر ما تثير الإيحاء بالشجن النبيل فهى تتدثر أيضا بخفة الظل، لدينا أكثر من مبدع فى الصورة، مونتاج باهر رشيد، ومدير التصوير أحمد جبر، والإشراف الفنى سلمى تيمور، شريط يحمل ألقا بكل تفاصيله.

اختيار المخرج كان رائعا لممثلى الشخصيات الثانوية، أيمن وتار وعبد الرحمن محمد ومحمد دسوقى، وآخر إطلالة للراحل سليمان عيد، الذى تم إهداء الفيلم إلى روحه، وأتصور أن مشاهده لم تكتمل، تمت معالجة الأمر فى المونتاج.

حاول السيناريو إيجاد مبرر لحضور أحمد سعد فى فرح أيمن وتار، وأراها مجرد محاولة لإيجاد مساحة لاستغلال فقط شعبيته، تكتشف أن العديد من الأفلام الحالية صارت تبحث له عن مساحة للحضور، وبرغم أن سعد ورقة مضمونة، إلا أنه فى نفس اللحظة صار ورقة محروقة، على العكس حضور حميد الشاعرى المقنن والحتمى فى الفيلم أضاف للإحساس العام. أجاد المخرج اختيار غادة عادل، وأيضا الوصول للذروة فى التعبير الفنى، يذكرنى بالمخرج محمد خان مع غادة، فى فيلم (فى شقة مصر الجديدة)، غادة عندما تعثر على الدور وتحت مظلة مخرج موهوب تحلق فى أداء الشخصية، كانت ميمى جمال فى دور أم غادة تحتاج إلى جهد أكبر فى رسم الشخصية حتى لا تصبح مجرد حماة (أرشيفية) مما تمتلئ بهم الدراما على مر الزمن.

(فيها إيه يعنى) يكمل تنويعاته أيضا من خلال أسماء جلال، التى أرى موهبتها ليست فى أنها أدت دور أم لفتاة فى الخامسة عشر، ولكن الأهم أنها تقمصت باقتدار شخصية المرأة المتسلطة كابنة وزوجة وأم، مصطفى غريب حضوره دائما وفى أى مساحة مبهج، ريتال عبد العزيز ممثلة شابة موهوبة.

(فيها إيه يعنى) يؤكد أن فيها وفيها وفيها، أيها الناس (المكنة طلعت قماش)، و(السينما طلعت أخيرا أفلامًا)!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فيها إيه يعني» «فيها وفيها وفيها» «فيها إيه يعني» «فيها وفيها وفيها»



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib