استعراض إيراني في غير مكانه

استعراض إيراني في غير مكانه!

المغرب اليوم -

استعراض إيراني في غير مكانه

سليمان جودة
سليمان جودة

ماذا تريد حكومة المرشد في طهران أن تقول وهي تستعرض قوتها في نطاق نصف دائري، مع مرور عام على سقوط قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني؟!إن حكومة خامنئي تعرف أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هي التي تخلصت من سليماني، وتعرف أن ترمب لم يشأ أن يخفي ذلك في حينه، وأنه أعلن أن تعليمات صدرت منه شخصياً بتصفية قائد «فيلق القدس»، في اللحظة التي كان فيها يغادر مطار بغداد!

تعرف هذا جيداً، ومع ذلك، فإن تهديداتها بالرد طوال سنة انقضت إنما ظلت بلا رصيد على الأرض، وما كادت السنة تدور دورتها حتى كانت هذه الحكومة نفسها قد تلقت ضربة أخرى أقوى من ضربة سليماني، وكانت الضربة هذه المرة داخل إيران نفسها، وليس في أرض العراق المجاور، وهي ضربة سقط فيها محسن فخري زاده، الذي يوصف بأنه أكبر عقل في البرنامج النووي الإيراني. لقد سقط في ضاحية من ضواحي العاصمة طهران، من دون أن يعرف أحد إلى هذه الساعة على يد من بالضبط سقط في مكانه؟! ولكنّ هذا لا ينفي أن نتوقف أمام ما نشرته بعدها تقارير إسرائيلية تقول إن إسرائيل زرعت أشخاصاً إلى جواره عام 1993، وأن حكومة أولمرت الإسرائيلية حصلت عام 2008 على تسجيل صوتي من شخص قريب من زاده، وأن التسجيل كان عن برنامج إيران النووي، وأن تل أبيب أطلعت واشنطن عليه!

إن النطاق نصف الدائري الذي سأشير إلى ملامحه حالاً قد أغرى حكومة المرشد بما يشبه استعراض القوة في اليمن مرة، وفي الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة مرة أخرى، وفي جنوب لبنان وشرقه مرة ثالثة، رغم أنه لم يثبت بعد ولن يثبت بالطبع، أن قائد «فيلق القدس» قد سقط بتدبير يمني، أو إماراتي، أو لبناني، ولا كذلك الحال فيما يخص فخري زاده!

وإذا أنت مددت خطاً من مطار عدن جنوب اليمن، إلى الجزر الإماراتية الثلاث، إلى الجنوب في لبنان، مروراً بالعراق حيث سقط سليماني، فسوف يرسم الخط ما يشبه نصف الدائرة أمامك على الخريطة، وسوف يكون هذا الخط هو الإطار الذي اشتمل على استعراض القوى الإيراني الذي تابعناه ورأينا وقائعه!

وهو استعراض قد يغيّر من الواقع بعض الشيء، وقد يعتدي على معالم هذا الواقع بعض الشيء أيضاً، ولكنه لا يمكن أن يغيّر من الحقيقة في شيء، لأن الحقيقة لا تتغير أبداً ولا تتبدل، مهما تعددت محاولات طمسها أو إهالة التراب عليها!

فقبل أيام استهدفت الجماعة الحوثية مطار عدن بالصواريخ، وكان ذلك تزامناً مع وصول الطائرة التي أقلّت رئيس وأعضاء الحكومة اليمنية الجديدة، بعد أن كانت قد أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي في الرياض، الذي وجهها بممارسة مهام وظيفتها من عدن بصورة مؤقتة!

استهداف المطار في وقت وصول الحكومة بكامل هيئتها، كان في حقيقته محاولة لاغتيال اتفاق الرياض ذاته، كما أشارت هذه الجريدة في مانشيت الصفحة الأولى في اليوم التالي للاستهداف، ولكن محاولة الاغتيال كتب الله لها أن تفشل لأن وراء الاتفاق نيات صادقة للوصول إلى حل يحفظ لليمن وحدته وأرضه، ويكفل لليمنيين تماسك بلادهم، ويضمن لهم حقهم في الحياة على أرض بلدهم، مهما طالت أيام هذه المحنة في أرض اليمن السعيد على أيدي جماعة الحوثي!

وبمثل ما فشلت محاولة اغتيال الاتفاق، فشلت محاولة منع الحكومة من الوصول إلى عدن، وأخفقت محاولة منعها من ممارسة مهام عملها، لأنه سرعان ما تم إصلاح ما تهدم في مبنى المطار، من خلال برنامج إعمار وتنمية اليمن الذي تتولاه السعودية، وسرعان ما وصلت الحكومة إلى مقرها، وسرعان ما عقدت اجتماعها برئاسة معين عبد الملك، بل سرعان ما كان عبد الملك نفسه يزور الذين أُصيبوا من المواطنين اليمنيين في عملية الاستهداف! وفي المحصلة الأخيرة بدت العملية كلها أقرب ما تكون إلى الرصاصة الطائشة التي تخطئ هدفها، ثم لا تبدو اليد التي أطلقتها إلا يداً يائسة تضرب ضرب عشواء في أي اتجاه!

قبل العملية بأيام كان الأميرال علي رضا تنكسيري، قائد القوات البحرية التابعة

لـ«الحرس الثوري»، يستعرض وحدات بحرية في جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى الإماراتيتين المحتلتين، مع أن سليماني لم يسقط عليهما، ومع أنهما لا يد لهما في سقوطه، ولكن القضية كانت استعراضاً للقوة لا أكثر!

ثم بعدها بأيام، كان تنكسيري نفسه يصحب حسين سلامي، قائد ل«الحرس الثوري»، في زيارة تفقدية إلى جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة أيضاً، وهي الجزيرة الواقعة في الخليج العربي غرب مضيق هرمز. وفي الحالتين لم تغير الزيارتان من شيء في حقيقة تاريخية ثابتة تقول إن الجزر الثلاث جزر إماراتية محتلة، حتى لو زارها سلامي وتنكسيري مائة مرة!

فالجزر الثلاث هي جزر إماراتية محتلة قبل الزيارتين ثم بعدهما بالدرجة نفسها، وليست الزيارتان سوى استعراض في غير مكانه، لأن التاريخ يقول إن الجزر إماراتية، ولأن الجغرافيا تقول ذلك وتؤكده، ولأن الزيارتين تسبحان ضد وقائع التاريخ وعكس حقائق الجغرافيا!

وسوف يكتمل مشهد نصف الدائرة، إذا توقفنا أمام اللوحات التذكارية التي نشرها «حزب الله» في جنوب لبنان وشرقه، وعليها صور لسليماني ومعه أبو مهدي المهندس، نائب رئيس قوات «الحشد الشعبي»، الذي لقي مصرعه مع قائد

«فيلق القدس» عند مغادرتهما مطار بغداد في مثل هذه الأيام من السنة الماضية!

حدث هذا مع أن لبنان هو الآخر لا علاقة له بمقتل سليماني والمهندس، ولا الاثنان قد لقيا مصرعهما على أرضه، ولا بيروت كانت طرفاً في الموضوع!

وقد بدت الصور المرفوعة هي الأخرى، كأنها رصاصة طائشة مرقت إلى غير هدفها الحقيقي، وهي قد بدت كذلك لأن شأنها يبقى شأن الزيارتين في الجزر الإماراتية الثلاث، وأيضاً كشأن استهداف مطار عدن، ففي الحالات الثلاث استعراض يجري في غير مكانه، ورصاصات تنطلق إلى غير هدفها!

وكان من الطبيعي أن تثير الصور غضب اللبنانيين، وأن يخرج من بينهم من يمزق الصور ويضرم فيها النار في منطقة البقاع!

ولم يكن احتشاد عناصر من ميليشيا من «الحشد الشعبي» في ساحة التحرير في بغداد إحياءً لذكرى سقوط سليماني والمهندس، سوى استعراض جديد للقوة في غير مكانه للمرة الرابعة أو حتى العاشرة. وعندما اقتحمت عناصر من ميليشيا «الحشد» مطار بغداد إحياءً للذكرى ذاتها كان ذلك استفزازاً غير مطلوب، وغير حكيم، لرئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي!
فالرجل أرسل قبل أيام إلى حكومة المرشد مَن يدعوها إلى ضبط حركة ميليشياتها في الأراضي العراقية، وهو قد فعل ذلك لأنه عازم على حصر السلاح على أرض الرافدين في يد الدولة وحدها. إنه يمضي في هذا الطريق بهدوء ولكن بقوة وتصميم، لأنه يدرك أنه لا دولة في العراق بالمعنى المفهوم للدولة في علوم السياسة، إذا بقي السلاح في غير يد الحكومة، ولأنه لا يريد من إيران سوى علاقة ندّية تحترم سيادة العراق على أرضه وتراعي في علاقتها معه مبادئ حسن الجوار!

إيران استعرضت قوتها في ذكرى سقوط قائد «فيلق القدس»، وهي عارفة بينها وبين نفسها أنه استعراض في غير مكانه، ثم وهي عارفة أن الناس في المواقع الأربعة ترفض الاستعراض ولا تقبله، وقد كان إصلاح المطار بعد استهدافه بساعات دليلاً على هذا الرفض لا تخطئه العين، وكذلك كان ما جرى للصور المعلقة في البقاع!

طهران في حاجة إلى الكفّ عن سياستها الراهنة في الإقليم أكثر من حاجتها إلى هذا الاستعراض، الذي يجعل من سقوط سليماني ومحسن زاده استحقاقاً في مكانه!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استعراض إيراني في غير مكانه استعراض إيراني في غير مكانه



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib