ثم ماذا بعد

ثم ماذا بعد؟

المغرب اليوم -

ثم ماذا بعد

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

كنت محظوظاً عندما طلبت مني قناة «العربية» الحضور إلى الرياض للمشاركة في التعليق على القمتين الأميركية - السعودية والخليجية، فلم تكن المرة الأولى التي أشارك في تغطية قمم مهمة على مدى السنوات الماضية. ولكن هذه القمة تحديداً بات لها مذاق خاص لاسع ومتوتر، حيث كان الطرف الأميركي ممثلاً بالرئيس دونالد ترمب الذي لن يختلف أحد على أنه شخصية لها صفاتها المتميزة عن سابقيه، وربما عن لاحقيه أيضاً من القادة الأميركيين.

اللحظة ذاتها كانت كالعادة بالغة التعقيد على جبهات متعددة عالمية وشرق أوسطية كتبت عنها من قبل تحت عنوان «الانفجار العالمي»، حيث اختلطت الحرب في أوكرانيا مع الحرب في غزة، وهذه اتسعت بين الخليج العربي والبحر الأحمر، وبين هذا الأخير والبحر المتوسط، ولم يكن باقياً إلا شن الحرب على إيران حتى ينشب ما هو أقرب للحرب العالمية الثالثة.

التوتر في المنطقة العربية سمح بانفجار في الأزمة السودانية لكي تنافس غزة في الضحايا والنزوح، ونشبت نزاعات عدة في القرن الأفريقي، وانتهزت ميليشيات الفرصة لكي تهاجم قيادة رئيس الوزراء الليبي ومعه تشتعل طرابلس العاصمة. وكأن كل ذلك ليس كافياً إذ نشبت حرب صغيرة بين الهند وباكستان النوويتين ولم يكن أحد يعرف إلى أي مدى سوف يمتد الحريق. الحالة كلها ألقت بأثقال ثقيلة على عاتق القيادات العربية، بخاصة تلك التي لديها برامج داخلية مزدحمة بالعمل الكثيف الذي ينتظر لحظة النضج مع عام 2030 الذي ينتظر تحقيق نقلة كيفية في تقدم الشعوب العربية الطامحة إلى التقدم في إقليم مستقر.

عقدت القمة في الرياض بالطريقة التي تمت بها في جدول أعمال لم يحدث من قبل. لم يكن تقليدياً أولاً أن تتبادل القيادات العربية والأميركية هذه الدرجة من الحميمية التي عكست أن العلاقات العربية - الأميركية يمكنها بالحكمة والشجاعة أن تفتح أبواباً أميركية لم تكن مفتوحة من قبل. وثانياً أن جدول أعمال اليوم الأول غلبت عليه العلاقات «الجيو - اقتصادية»، فلم يكن مألوفاً زيارة الرئيس الأميركي بلداً - السعودية - محملاً بهذا القدر من القيادات الاقتصادية هي الأغنى في العالم المليارديري وهي المقتحمة لمعالم ثورة تكنولوجية وصناعية عالمية. بات واضحاً أن المراقبين يشاهدون حالة من التبادل الاستثماري يقدم على السعودية في المجالات الخاصة بـ«رؤيتها 2030» بعد احتضانها في أبعاد الثورة الصناعية الرابعة. الطريق هنا له اتجاهان: الأميركي - السعودي باستثمارات الشركات؛ والسعودي - الأميركي عندما تذهب الاستثمارات السعودية إلى الولايات المتحدة لكي تشارك في مجالات الأمن والسلاح والدخول إلى معمل آخر الثورات الصناعية. المسألة أصبحت إطلالة على العصر، ورسالة إلى من يهمه الأمر أن هناك عرباً لا ينسون طموحات تقدمهم مهما حاول آخرون، عرباً وعجماً، استدراجهم إلى أبواب الجحيم الجيوسياسي.

ما جرى في قطر والإمارات لم يختلف عما حدث في السعودية، ولكن الزيارتين مع القمة الأميركية - الخليجية أخذت الجميع إلى الأبعاد الجيوسياسية التي لا يمكن تجاهلها. نقطة الوصل أتت ما بعد ظهر اليوم الأول عندما حلت المفاجأة المنتظرة، وهي حضور الرئيس السوري إلى الرياض، ورغم أن مفاجآت أخرى لم تتحقق فإن انتهاء المفاجأة السورية انتهت إلى رفع العقوبات وظهور كيمياء شخصية بين ترمب والشرع. كان الحدث تتويجاً لسلسلة من الانقلابات الاستراتيجية التي شملت وقف إطلاق النار الأميركية مع الحوثيين، وافتتاح المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول المسألة النووية، وكل ذلك مع بقاء إسرائيل في ظل مفاوضات لوقف إطلاق النار كان يغير معادلات كثيرة. لم يعد الشرق الأوسط كما كان بعد التبادل الجيو - اقتصادي العميق، وبعد التغيير الذي طرأ على الموقف السوري واستجابته إلى توجه سلامي نحو إسرائيل يعلن بوضوح أولاً أن الولايات المتحدة عادت مرة أخرى إلى الشرق الأوسط في منازعاته وسلامه؛ وثانياً أن القوة العظمى في المنطقة هي الولايات المتحدة وليست إسرائيل؛ وثالثاً أن القدرة على التأثير العربي في مجالات حيوية مالية واقتصادية وتكنولوجية لدى الولايات المتحدة تنافس بحق قدرات اللوبي الإسرائيلي. كيف يستغل ذلك كله الذي يمثل الإجابة عن السؤال عنوان هذا المقال «ثم ماذا بعد؟».

المؤكد أن الولايات المتحدة سوف تبحث وتقرر ما سوف تفعله لأخذ كل المتغيرات في الاعتبار خصوصاً أنها حازت فضيلة وقف الحرب النووية المحتملة في شبه القارة الهندية. ما بعد ذلك يبقى على كتف القادة العرب استيعاب ما حدث واستثماره في الطريق الصحيح للسلام والتنمية والسعي نحو حل الدولتين. هناك سؤالان لا يمكن الفرار منهما: ماذا سوف نفعل مع الدولة الفلسطينية، وماذا سنفعل مع الدولة الإسرائيلية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثم ماذا بعد ثم ماذا بعد



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib