الكمون الاستراتيجى مرة أخرى

الكمون الاستراتيجى مرة أخرى

المغرب اليوم -

الكمون الاستراتيجى مرة أخرى

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

للتذكرة فقط.. فإن مصر الآن تعيش فى منتصف العام 2025؛ أى بعد عشرة أعوام من انطلاق «رؤية مصر 2030»؛ وبقى خمس سنوات أخرى ليس إلى خط النهاية وإنما الوقوف عند نتائج التأسيس الثالث للدولة المصرية بعد الأول مع قيام المملكة المصرية، والثانى بعد قيام الجمهورية، والثالث بعد ثورة يونيو 2013 التى عندها بعد الإطاحة بحكم الإخوان هو أن تسير مصر قدما لكى تلحق بالعالم المعاصر.

منذ بداية القرن الحالى أصبحت الغالبية من دول العالم تسعى إلى التقدم والتنمية، وحدث ذلك من خلال حشد وتعبئة الاستثمارات الداخلية والخارجية وراء تحقيق تراكم رأسمالى يسمح للدولة بتحقيق معدلات عالية للنمو تنقلها من صفوف الدول النامية إلى تلك المتقدمة. ولكن واحدا من أهم شروط هذه النقلة الكيفية هو السير فى طريق «الكمون الاستراتيجى» بمعنى أن تتجنب الدولة الدخول فى صراعات خارجية، وأن تجعل سياستها فى الخارج أداة فى الحصول على الاستثمارات. الدرس كان قديما عندما استغرقت الولايات المتحدة ما يقرب من قرن تسوى فيه أمورها الداخلية قبل أن تخرج إلى العالم فتشترى ألاسكا وتدخل الحرب العالمية الأولى. وحديثا فإن أنصع التجارب تقع فى الكفة الصينية وبقية دول جنوب شرق آسيا؛ وأذكر فى مقال نشرته تحت عنوان «الكمون الإستراتيجى» فى الأهرام الغراء بتاريخ 21 نوفمبر 2018 أننى أشرت إلى زيارتين شاركت فيهما فى بعثتين صحفيتين للصين فى عامى 1998 و2002 قامت بهما مؤسسة الأهرام؛ أن الزعماء فى الدولة الصينية كانوا يقاومون بشدة أمرين، أولهما أن الصين دولة متقدمة، فكان الإصرار على أنها دولة من دول العالم الثالث الفقيرة التى ينبغى معاملتها فى المحافل الاقتصادية الدولية على هذا الأساس؛ وثانيهما أن الصين لا تسعى إلى أن تكون قوة عظمى، ورغم مشاكلها الإقليمية الكثيرة فإنها تسعى، وبكرم، لحلها بالطرق السلمية كما فعلت مع قضايا هونج كونج وتايوان ومشكلات الحدود والنزاعات على الجزر. وقتها لم يكن أحد فى الصين يتحدث لا عن الدور الإقليمى للصين، ولا عن الدور العالمى.

ما حدث فى مصر أن المفهوم لم يكن مرحبا به، أحيانا برفض كامل لمنافاته التراث التاريخى المعاصر للدولة المصرية؛ وأحيانا أخرى لأن كلمة «الكمون» لم تكن مستساغة ويفضل عليها «الصبر» أو «التوازن» الاستراتيجى. مناسبة الحديث النظرى الآن هى ما جرى من حملة عالمية من جانب جماعة الإخوان المسلمين على مصر بأنها تغلق الأبواب على إغاثة الفلسطينيين فى غزة. كان واضحا أن هناك محاولة لرفع المسؤولية عن إسرائيل وحصارها للقطاع، خاصة أن مظاهرة جرت، ويالا الوقاحة، أمام السفارة المصرية فى تل أبيب تطالب مصر بفتح معبر رفح وكأنها هى التى تغلقه. الظاهرة كانت ممتدة إلى العديد من العواصم العالمية تلقى ذلك الاتهام وترفع ذلك الطلب. كان الأمر امتدادا لمحاولات سبقت مع بداية حرب غزة الخامسة؛ وكان أقربها تلك القافلة التى بدأت من تونس متدافعة إلى الحدود المصرية الليبية تحت اسم «الصمود» ساعية للوصول إلى غزة. المحاولة أيضا كانت لرفع مسؤولية الحرب والمجاعة عن كاهل حماس وبقية جماعة «المقاومة والممانعة» التى انتهت إلى خسران مبين. السيد «خليل الحية» بعد أن وصلت الكارثة إلى منتهاها من جوع وتدمير أخذ يطلب من مصر حكومة وشعبا وجيشا وكنيسة وأزهرا ومثقفين وجماهير فتح أبواب الإغاثة. الرجل كان يعرف بالتأكيد ما الذى فعلته مصر للإغاثة خلال الشهور الماضية؛ ومحاولات الإنقاذ بعقد هدنة تسمح للفلسطينيين بالتنفس من خلال الوساطة، بينما حماس تبذل قصارى جهدها لإغلاق كل الأبواب كلما جرى تحسن فى المفاوضات.

لم يكن هناك لغز فى أن معبر رفح له جانبان أحدهما مصرى يمثل طريق الغوث، والآخر إسرائيلى يمثل حاجزا عسكريا يمنع الإغاثة بالقوة المسلحة. الحملة الإعلامية فى معظمها كانت محاولة لاستدراج مصر إلى مواجهة عسكرية والضغط من أجل إشعال المشاعر المصرية لخوض حرب جديدة بينما القاصى والدانى يشهد أن الإرادة المصرية تركز على تنمية سيناء. ضعف المعرفة فى المشرق العربى عامة وبين الجماعة الفلسطينية فى العموم بحقيقة الدولة الوطنية الساعية إلى تطوير النسيج الوطنى من خلال مشروع تنموى متقدم، يخلق حالة من العمى الفكرى والاستراتيجى عن حقيقة التجربة المصرية خلال السنوات العشر الماضية. ما يجب على مصر فعله خلال المرحلة المقبلة هو الاستمرار قدما فى استكمال المشروع الوطنى الحالى فى مشارقه ومغاربه، خاصة فى سيناء فتدخل تجربة النصف مليون فدان مرحلة الإنتاج؛ ويمضى القطار السريع بين طابا والعريش، والسويس وبورسعيد؛ ويصبح شمال سيناء مثل جنوبها عامرا بالبشر والسياحة؛ وباختصار تمتد تنافسية قناة السويس بحيث تتفوق على جميع المشروعات الأخرى سواء جاءت من الهند أو من إسرائيل.

ليس معنى ذلك الخروج من عملية السلام لأن التنمية والتقدم تحتاج قدرا كبيرا من الاستقرار الإقليمى والذى لا يعنى فى إطار الحرب الجارية إلا خروج حماس من الساحة السياسية والعسكرية فتطلق المحتجزين وتسلم سلاحا إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكمون الاستراتيجى مرة أخرى الكمون الاستراتيجى مرة أخرى



GMT 00:10 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

أزمة النووي الإيراني.. أي مسار سنشهد؟‎

GMT 00:06 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

قمة لا غرب فيها

GMT 00:03 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

وميضٌ عربي في بحر الظلمات

GMT 00:00 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

لبنان وخطر العودة إلى العادات القديمة

GMT 23:58 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«واقعة» صبي المنبر

GMT 23:56 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«عيد ميلاد سعيد».. أمل جديد!

الكروشيه يسيطر على صيف 2025 ونانسي عجرم والنجمات يتألقن بأناقة عصرية

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 15:02 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا سعيدة بإهداء دورة مهرجان القاهرة السينمائي لشادية

GMT 01:36 2014 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"لارام" تلغي الخط الجوي الرابط بين الحسيمة والدار البيضاء

GMT 00:59 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

10 نصائح للفوز بفستان زفاف أنيق يوافق المرأة في سن الأربعين

GMT 23:42 2024 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

نيللي كريم تُصرح أن جائزة جوي أووردز كانت مفاجأة

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

إشبيلية يفشل في تأجيل سفر النُصيري

GMT 16:35 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ديكورات لحفلات الزفاف الخارجية لصيف 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib