برنيس ورأس الحكمة

برنيس ورأس الحكمة

المغرب اليوم -

برنيس ورأس الحكمة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

الاقتصاد مثل كل أنشطة الإنسان تتعرض لنوبات من التراجع والمرض أحيانا؛ ولكنه ما إن يبدأ العلاج حتى يستعيد الجسم عافيته ويبدأ فى تنشيط ذاكرته ويصبح لديه قدرة على الوفاء بالتزاماته، بل ينتقل إلى مرحلة من العافية والإنتاجية الفكرية غير مسبوقة.

كنت دوما من المعتقدين أن مصر دولة غنية بشعبها وأرضها ونيلها وبحارها وبحيراتها؛ وأن قضية فقرها وعوزها ومد يدها وانتظار تحويلات أهلها من الخارج هى نابعة من نظرة تعيسة للثروة لا يوجد فيها إلا نفط وغاز وتكنولوجيا ليس لنا يد فيها. خلال العقود الأخيرة كتبت وزاد اعتقادى أن مصر يمكنها أن تكون «صين الشرق الأوسط» حيث المزاوجة ما بين الديموغرافيا (السكان) والجغرافيا (الموقع والمجال) تكفى لانتقالنا من الدول النامية إلى الدول المتقدمة.

الأجيال السابقة نظرت إلى النموذج الأوروبى والغربى عامة واعتقد الخديو إسماعيل أن بإمكانه أن يجعل مصر قطعة من أوروبا؛ وبالفعل فقد كانت «القاهرة الخديوية» كذلك، وأجزاء من الإسكندرية وبورسعيد، ولكن بعد قرن من التجربة فإن الشقة بيننا وبين الدول المتقدمة اتسعت، والدنيا ضاقت ربما منذ ستينيات القرن الماضى عندما بدأت مصر فى الحصول على «المعونة» الأمريكية قمحا.

وبعدها فى السبعينيات والثمانينيات باتت المعونات والمنح والقروض بالطبع تأخذ جزءا ليس بيسير من كرامتنا. لم يكن مشهد التكالب على السفر إلى الخليج، أو الذهاب إلى أوروبا بالقوارب أو بالتحايل مما يسعد وعلى العكس كان فيه ما يحزن. كان الأصل دائما أن يذهب المصريون إلى الخارج للدراسة والتعلم؛ وإلى الخليج لكى يقدموا الاستشارة.

فى العقد الأخير كان المشهد مختلفا من حيث الإرادة السياسية للبناء والتعمير والتعليم والصحة ولكن كل ذلك وقع على عاتق الدولة التى ينوء كاهلها بالكثير من المسؤوليات الداخلية والخارجية فضلا عن التهديدات وأخطار الزمن.

وبشكل ما بدأت التجربة «الآسيوية» تأخذ بعضا من الاهتمام ولكنه اهتمام لم يكف لكى يرفع أثقالا كثيرة عن كاهل الدولة والحكومة. كان صعبا إصلاح النظام الإدارى، وكان الأصعب فتح الأسواق للبيع والشراء، والإنتاج والاستهلاك، والتصدير والاستيراد؛ وكان ذلك عصب التجربة الآسيوية ومصدر رفعتها. السنوات العشر الأخيرة لم تكن عادية فى الانتشار العمرانى والاتصالى فى الإقليم المصرى، وفى إقامة مشروعات عملاقة فضلا عن إقامة شبكة كبيرة للحماية الاجتماعية.

التكلفة كان لا بد لها أن تضغط على الموازنة العامة وأدت إلى أزمة مالية واقتصادية نجم عنها تضخم وزيادة كبيرة فى الأسعار. ورغم أنه كان هناك مطالبة دائمة فى كثير من المشروعات أن تجرى خصخصتها للقطاع الخاص إلا أن فجوة ظلت قائمة ما بين المأمول والواقع. طرحت الحكومة وثيقة ملكية الدولة، لكن ذلك لم يعط إلا القليل، وبدا أن الدولة متشبثة بملكية وسائل الإنتاج.

وأخيرا جاء الفرج مع مشروع رأس الحكمة لكى يرفع حجم الاستثمارات رفعا ملحوظا، ومؤخرا أضيف إلى «الحكمة» رأس برنيس مع حزم كبيرة من الاستثمارات التى معظمها عربية، ردت الروح لقيمة الجنيه المصرى، وقدمت نموذجا لمشروعات ضخمة أولا لا يتحمل تكلفتها الموازنة العامة؛ ورغم أنها خاصة تماما إلا أنها تقوم بالتشغيل، وعندما يبدأ الإنتاج أو تقديم الخدمات فإن الدولة المصرية سوف تحصل على ضرائب الدخل والمبيعات والأرباح فضلا عن نصيبها من العائد، وما يحدثه القادمون إليها من رواج فى أسواق أخرى مضافا لها تعزيز علاقات استراتيجية.

الأمر هو أن كل ذلك بداية لعلها تقدم للحكومة ما تحتاج من موارد للمزيد من المشروعات العملاقة؛ وتقدم للشعب فرصا كثيرة للتشغيل وبمرتبات مرتفعة؛ والأهم من ذلك أنها تفتح أبوابا كثيرة للاستثمار المصرى والأجنبى على كل شواطئ مصر.

3200 كيلومتر من السواحل المصرية كلها لا تقل جمالا عن العلمين ورأس الحكمة ورأس جميلة وبرنيس. وفى مصر أيضا 14 بحيرة قامت الدولة مشكورة بتطهيرها وإخراجها من حالتها العشوائية وأعادت مصادر تمويلها بمياه البحر؛ ولكنها لم تشغلها لا فى عمران ولا سياحة ولا تصوير الأفلام ولا صناعات قائمة على صيد السمك.

لا يوجد شك أنه لدى الحكومة خطط كثيرة لتشغيل التغيير الذى حدث فى البيئة الاقتصادية المصرية؛ ولكن الخِطط لم تعد تطبق بالسرعة التى عرفناها خلال العقد الماضى؛ وإذا كان ذلك راجعا إلى التمويل فإن ذلك تحديدا هو الغرض من الاستثمار الخاص مصريا أو عربيا أو أجنبيا. فالنموذج السابق لتمويل المشروعات من خزانة الحكومة لم يعد هناك سبب له، وإنما الحصول على المشروع مع فوائده يؤدى إلى فتح أبواب استثمارات جديدة، ويقوى الجنيه المصرى، ويسدد الديون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

برنيس ورأس الحكمة برنيس ورأس الحكمة



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib