فوكاياما وأوان «الديستوبيا» العالمية

فوكاياما وأوان «الديستوبيا» العالمية

المغرب اليوم -

فوكاياما وأوان «الديستوبيا» العالمية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

تعرّف الموسوعة البريطانية حالة «الديستوبيا» بأنها المدينة الفاسدة التي تعيش واقعاً مريراً غير مرغوب فيه، ويحمل الكثير من الموبقات، ولا يبشر بنظام عالمي مستقر وآمن.

هل النظام العالمي المعاصر وهو على عتبات عام جديد، قريب وشبيه من «الديستوبيا»؟

أحد أهم المفكرين المعاصرين الذين تناولوا الجواب عن الأوضاع الكونية المهترئة، فرنسيس فوكاياما عالم السياسة والاجتماع الأميركي الجنسية، الياباني الأصل، وذلك في كتابه «النظام السياسي والانحلال السياسي»، الذي يمكن اعتباره استمراراً لمقاله الأشهر «نهاية التاريخ»، والذي نشر عام 1989 في مجلة «ذا ناشونال أنترست» الأميركية.

في مؤلفه الحديث يبدو فوكاياما وكأنه أصيب بداء «الازدواجية الأميركية»، بل بات يؤسس ويؤرخ لها، فهو من ناحية لا يزال يبشر بأن الديمقراطية الليبرالية هي النظام الوحيد القادر على ضمان الرفاهة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي نسعى جميعاً لتحقيقها. لكنه في المقابل، يبدو متشائماً بسبب المجتمعات الإنسانية الراهنة، منطلقاً من عدم قدرتها على إنشاء مؤسسات من شأنها أن تضمن كفاءة الديمقراطية الليبرالية على أفضل نحو ممكن.

هل تنسحب اتهامات فوكاياما هذه على أميركا؟

يفتح جواب فوكاياما الباب واسعاً لتحليل المشهد السياسي في الداخل الأميركي، وكذا في دول الاتحاد الأوروبي، وعنده أنهما باتا مثالاً على عدم الكفاءة، مشدداً على أن نقاط ضعف الديمقراطية ناجمة عن توترات داخلية، وليس عن ضغوطات داخلية.

السطور السابقة تأخذنا في عودة لمؤلف فوكاياما الأكثر إثارة المعنون «الهوية... مطالب الكرامة وسياسات الاستياء»، وفيه يحاول فهم الصراع الهوياتي الناشئ أساساً بين الليبرالية والشعبوية الذي يُجمل تعريفها عقدياً وإشكالياً باعتبارها «ديمقراطية من دون ليبرالية».

ما الذي يذكّرنا بفوكاياما؟

لعل الحوار الذي أجرته قناة «الحرة» الأميركية عبر موقعها الإلكتروني، هو ما يدفع المحللين السياسيين للشأن الأميركي، إلى متابعة رؤية فوكاياما لأميركا اللايقينية من جهة، ولبقية أركان النظام العالمي التي تبدو مترنحة حتى التهاوي، وعلى شفا حفرة من النووي.

يؤكد فوكاياما أن الولايات المتحدة تمر حالياً بحالة من عدم اليقين مع انتخاب دونالد ترمب، لأنه لا يؤمن بالأفكار الليبرالية، وهذا الأمر «سيحدث ضرراً كبيراً بالديمقراطية الأميركية». ويعتبر أن النظام الأميركي ورغم قدرته على مواجهة ترمب وجموحه السياسي، فإنه سيشكل ضغطاً كبيراً على مؤسسات الدولة، ما سيفتح الباب واسعاً ومن جديد أمام تساؤل الهويات والاستقطاب، مما يجعل مرحلة الهدوء النسبي التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ليست أكثر من الهدوء الذي يسبق العاصفة.

هنا تطفو على سطح الرؤية التحليلية علامة استفهام مثيرة وخطيرة في الوقت ذاته: «إذا لم يكن من الممكن تطبيق أفضل نموذج حكم ممكن (الديمقراطية الليبرالية)، داخل البلدان المتحررة من جميع أشكال القيود الفكرية والسياسية، فهل من الوارد تطبيقه على المستوى الدولي، لا سيما في المناطق المنبتة الصلة بـ(الدمقرطة) أو عوالم الحرية والليبرالية؟».

ما يهمنا في حوار فوكاياما المطول، منطقة الشرق الأوسط بنوع خاص، حيث يرى أن واشنطن حاولت فرض نظام ديمقراطي غنائي هيولي على المنطقة بعد غزو العراق عام 2003، لكنه يقر بأن تلك المحاولة فشلت تماماً.

هل ستكون ولاية ترمب الجديدة برداً وسلاماً على المنطقة، لا سيما في ظل إرهاصات ما يجري في الأيام الأخيرة؟

فوكاياما يؤكد أن ترمب سوف يخفق لو حاول التدخل في المنطقة، ويأسف لأن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط تتأثر بعوامل محلية وبعض هذه العوامل غير إيجابي، ومن ذلك على سبيل المثال تقلص اعتماد أميركا على النفط الأجنبي، ما أثر على رؤيتها لهذه المنطقة الجغرافية من العالم، وخلق سياسة غير متماسكة وحالة من عدم اليقين، سوف تتصاعد بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) القادم.

لا يختلف توصيف فوكاياما للولايات المتحدة كثيراً عما رأى كسنجر من قبل باعتباره أميركا «أمة مترددة»، تتراجع حظوظها بصورة أو بأخرى حول العالم.

يفهم القارئ من رؤى فوكاياما المعاصرة أن حالة الديمقراطية تتراجع على المستوى العالمي، لا سيما في ظل الصراعات الجيوسياسية المنفلشة في العقدين الأخيرين ونصف العقد، التي لم يعرفها العالم منذ منتصف القرن العشرين.

الخلاصة هي أن «الديستوبي» الحالي أو النظام العالمي الفوضوي لن يطول، فهناك صحوة من جانب القوى المتوسطة، التي تستطيع أن تكون استقلالية في تحديد مساراتها.

فيما السؤال الأهم: هل تشارك الرقمنة والذكاء الاصطناعي في تعزيز الفوضى العالمية أم في الدفع نحو ويستفاليا أممية جديدة؟ وللحديث بقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فوكاياما وأوان «الديستوبيا» العالمية فوكاياما وأوان «الديستوبيا» العالمية



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib