ماذا تعني حرب طويلة في أوكرانيا للعالم

ماذا تعني حرب طويلة في أوكرانيا للعالم؟

المغرب اليوم -

ماذا تعني حرب طويلة في أوكرانيا للعالم

عثمان ميرغني
بقلم :عثمان ميرغني

التقييم الذي قدمته الاستخبارات الأميركية للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي أول من أمس عن الحرب في أوكرانيا، يوضّح أن العالم يواجه سيناريو حرب مرشحة لأن تطول وتتحوّل إلى حرب استنزاف تمتد لأشهر وربما سنوات، بكل ما يعنيه ذلك من أزمات أمنية واقتصادية على صعيد الغذاء والطاقة، أو من مخاطر الانزلاق نحو حرب عالمية جديدة ستكون نووية لا محالة بعد التهديدات الروسية المتكررة. فقادة أجهزة الاستخبارات الذين أدلوا بشهاداتهم اتفقوا على أنه في ظل عدم تمكن أي من الجانبين الروسي والأوكراني من تحقيق اختراق حاسم، وعدم وجود مؤشرات على إمكانية نجاح أي مفاوضات بين الطرفين في الوقت الراهن بالنظر إلى قناعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يمكن أن ينتصر في النهاية، وحقيقة أن أوكرانيا لم تظهر أي بوادر على الاستسلام، فإن الحرب ستطول بلا شك؛ ما يعني تصاعد تكلفتها وتزايد مخاطرها.

رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، اللفتنانت جنرال سكوت بيرير، كان واضحاً في هذا الصدد عندما قال، إنه مع التوجه نحو حرب استنزاف، يصبح من المرجح أن يتخذ الصراع «مساراً يصعب التنبؤ به»، وهو ما تطرقت إليه زميلته أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، عندما قالت، إن بوتين يمكن أن يلجأ للسلاح النووي، إذا شعر بأنه يخسر الحرب.
هذا التقييم يعكس الحسابات بالغة التعقيد لهذه الحرب التي كلما طالت، زادت المخاطر المترتبة عنها. فالغرب الذي يضخ كميات هائلة من الأسلحة المتطورة إلى أوكرانيا لمساعدتها في مواجهة الاجتياح الروسي، يتخوف في الوقت ذاته من أن بوتين إذا شعر بأنه يواجه احتمال الهزيمة قد يلجأ إلى خيارات تصعيد واسع، بما في ذلك استدعاء الاحتياط وإعلان حالة الحرب، بدلاً من تسميتها الراهنة بـ«العملية الخاصة»، وصولاً إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو استراتيجية في مواجهة ما يراه حرباً غربية بالوكالة و«تهديداً وجودياً» لبلاده ونظامه. والسؤال الصعب أمام الاستراتيجيين هو، ما هي النقطة التي يمكن أن يصلها الغرب في دعمه لأوكرانيا، من دون أن يدفع بوتين للإحساس بأنه يواجه خطر الهزيمة؟
فالواضح أن هناك أطرافاً في حلف شمال الأطلسي (ناتو) تريد استنزاف روسيا وإضعافها، من خلال هذه الحرب التي تورط فيها بوتين، وهو هدف أفصح عنه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد زيارة لكييف الشهر الماضي عندما قال، إن الولايات المتحدة تريد إضعاف روسيا لمنعها من تكرار ما فعلته في أوكرانيا. لكن هذا الهدف ليس بلا مخاطر؛ لأنه لا يمكن تصور أن بوتين سيقبل هزيمة قواته أو تهديد نظامه من دون رد يدفع العالم نحو مواجهة كبرى بالغة الخطورة.
القلق من هذا الخطر هو الذي جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحذر في خطاب أمام البرلمان الأوروبي مطلع الأسبوع الحالي من «إذلال روسيا». فهو يرى أنه مع التأكيد على ضرورة دعم أوكرانيا لضمان بقائها، فإن الغرب يجب ألا ينسى أنه ستأتي نقطة تسعى فيها موسكو وكييف إلى السلام من خلال طاولة المفاوضات.

ونبّه إلى أنه عندما يعود السلام إلى التراب الأوروبي «سيتعين بناء توازنات أمنية جديدة، ويجب ألا نستسلم أبداً للإغراء، أو الرغبة في الانتقام، أو الإذلال؛ لأننا نعرف كم أدى ذلك إلى إفساد الطريق إلى السلام في الماضي». وكان ماكرون يشير بذلك إلى معاهدة فرساي التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى، واعتبر كثيرون أنها شكلت «إذلالاً» لألمانيا وهيأت لصعود هتلر والنازية، ومن ثم قادت إلى الحرب العالمية الثانية.
ما قاله ماكرون يعدّ عين العقل، ويمثل صوت الاعتدال في أوروبا الذي يرى أن الحرب الأوكرانية مصيرها العودة إلى طاولة المفاوضات، وأن الغرب مع دعمه لأوكرانيا يجب أن يضع في اعتباره معادلة لا تدفن فيها لغة التصعيد فرص السلام، ولا تشعر فيها روسيا بالإذلال؛ خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى خلق ظروف يبرز ويصعد فيها تيار قومي أكثر تشدداً، أو تصبح موسكو مستعدة لاستخدام السلاح النووي ضد ما تراه تهديداً وجودياً.
ماكرون مثل كثيرين يرى أن خريطة التوازنات الجيوسياسية ستشهد تغييرات كبيرة بعد انتهاء الحرب الأوكرانية، وربما من هذا المنطلق دعا إلى تفكير عميق بشأن مستقبل أوروبا، قائلاً، إن هذه الحرب أظهرت الحاجة إلى «عملية تفكير تاريخية»، واقترح إنشاء «منظمة سياسية أوروبية» موسعة تضم الديمقراطيات الأوروبية، وتتيح مساحة جديدة للتعاون السياسي مع إدراج الأمن، والطاقة، والنقل، والحركة عبر الحدود، ضمن القضايا التي يمكن أن تعالجها هذه المنظمة. والواقع أن الرئيس الفرنسي باقتراحه هذا يحاول معالجة مشكلة أن الاتحاد الأوروبي توسع إلى حد أصبح ضم المزيد من الأعضاء يطرح المزيد من التحديات، وأن المنظمة الجديدة المقترحة يمكن أن تستوعب الدول التي تنتظر منذ سنوات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مثل تركيا وصربيا، وتحل مشكلة أوكرانيا التي تطالب بانضمام سريع للاتحاد، لكنها قد تضطر إلى الانتظار سنوات طويلة بسبب تعقيد آليات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما أن المنظمة الجديدة المقترحة تفتح باب المشاركة أمام بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوروبي من خلال عملية «بريكست».
ماكرون ربما يفكر من منظور الأمن الأوروبي، لكن التغييرات الجيوسياسية المتوقعة نتيجة الحرب الأوكرانية تعني العالم كله؛ لأننا قد نشهد مرحلة تعاد فيها صياغة التكتلات الدولية. فالحرب قد تكون أحيت حلف شمال الأطلسي (ناتو) وعززته بعد فترة ضعف وخلافات، لا سيما إبان رئاسة دونالد ترمب، لكنها أيضاً زادت من فرص ظهور تحالف صيني - روسي أقوى. ذلك أن بكين تراقب تطورات الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على موسكو، وتشعر بأنها قد تكون الهدف التالي، في ظل التنافس القوي بينها وبين الولايات المتحدة، لا على صعيد الصدارة الاقتصادية فحسب، بل على صعيد النفوذ السياسي والقدرات العسكرية أيضاً.
وكان من المقرر أن يكون ماكرون بعد خطابه في أوروبا ، طرح فيه رؤيته بالنسبة لمستقبل أوروبا ، والتعامل مع روسيا ، تحدث مع الرئيس الصيني شي جينبينغ وبحث معه الوضع في أوكرانيا ، والأوضاع العالمية وأزمة الغذاء الناتجة من الحرب. العلاقات الدولية وعلاقاتها معها وعلاقاتها معك في أوروبا.
و قد تتحول إلى تحالف جديد بين بكين وموسكو ، وتنافس فورًا .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تعني حرب طويلة في أوكرانيا للعالم ماذا تعني حرب طويلة في أوكرانيا للعالم



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib