واشنطن تحدي هندسة التنازع الإقليمي

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

المغرب اليوم -

واشنطن تحدي هندسة التنازع الإقليمي

سام منسى
بقلم : سام منسى

يبدو أنَّ الزيارةَ الوشيكة التي سيقوم بها بنيامين نتنياهو إلى واشنطن أقربُ إلى استدعاء منها إلى دعوة ودية؛ فالرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يجهد منذ أشهر في هندسة سياسة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، ضاق ذرعاً بممارسات نتنياهو التي تعوق مساراً يراه فرصة لتحقيق رؤيته للتسوية، والتلكؤ الإسرائيلي، وبخاصة تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترمب وهي الأكثر تعقيداً، تنبغي مناقشته مع نتنياهو مباشرة، إذ لا يزال أسير مقاربة أمنية محكومة بمنطق القوة، تُبقي المنطقة في دوامة الصراعات.

هذا التباين يظهر بوضوح في غزة وسوريا؛ ففي غزة، يسعى ترمب إلى تحقيق خرق يعيد إنتاج الأمن على قاعدة تسوية سياسية تتيح للفلسطينيين على الأقل، إطاراً انتقالياً قابلاً للحياة، وفتح مسار مستقبلي لكيان فلسطيني. أما نتنياهو، فكل ما يريده هو تهدئة أمنية تمكّنه من إعلان «انتصار مؤجل» يبرر بقاءه في الحكم، ويتيح لاحقاً تحقيق السياسات اليمينية المتشددة. وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على الحرب، لم يقدم نتنياهو أي تصور واقعي لما بعدها، ولم يقبل بأي صيغة تمنح الفلسطينيين ما يفترض أنه جوهر الصراع: الحق الفلسطيني بتقرير المصير. ومن المفارقات أن تعنت نتنياهو بات اليوم عقبة أمام مشروع ترمب لغزة، وتحولت مواقفه عبئاً يهدد ضبط الإيقاع الإقليمي.

وفي سوريا، الخلاف لا يقل وضوحاً؛ فالإدارة الأميركية، مدعومة بغالبية الدول العربية والغربية والإسلامية، ذهبت باتجاه احتضان النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، معتبرة أن الانتقال السياسي، ولو بشروط واقعية ودون طموحات مثالية، أفضل من فوضى مفتوحة تحوّل بلداً مزقته الحرب إلى ساحة نزاعات متناسلة. واشنطن لم تعد معنية بإسقاط أنظمة بقدر ما تهتم بتثبيت مسارات يمكن أن تُدمج لاحقاً في رؤية شاملة للمنطقة مع دول «الناتو»، وضمنها تركيا. لكن نتنياهو لا يزال يتصرّف بمنطق ما قبل التبدلات: ضربات متقطعة، ومحاولات لخلخلة التوازنات الداخلية، واللعب على التناقضات المذهبية، ومواجهة دور تركيا والاستثمار بالفوضى السورية.

يضمحل هذا التباين في لبنان، حيث لا خلاف في الجوهر، وإن اختلفت الأساليب. واشنطن وتل أبيب تتقاطعان على ضرورة نزع سلاح «حزب الله» وحصر القوة العسكرية بيد الدولة اللبنانية. الولايات المتحدة ترى أن إعادة بناء لبنان لا يمكن أن تتم في ظل ازدواجية السلاح، فيما ترى إسرائيل أن استهداف الحزب حق مشروع ما دام يشكل تهديداً لأمنها. وهذا التوافق يجعل واشنطن تغض الطرف عن استمرار العمليات الإسرائيلية في الجنوب، وقد تتسامح مع اغتيال أو استهدافات دقيقة لقادة الحزب وعتاده، ما دام أن ذلك يصب في خدمة الاستراتيجية الكبرى: إنهاء زمن المنظمات خارج الدولة.

بهذا المعنى، يمكن القول إن ثلاث استراتيجيات تتنازع المنطقة اليوم. الأولى: الاستراتيجية الأميركية - العربية مدعومة من تركيا، تسعى لإنهاء الحروب وإرساء سلام طويل الأمد عبر منظومة أمن إقليمي مشروطة بإنجاز تقدم في المسار الفلسطيني.

الثانية: الاستراتيجية الإسرائيلية التي لا تزال أسيرة منطق القوة الخشنة، عاجزة عن إدراك حدود السلاح، وفاقدة القدرة على تحويل الانتصارات التكتيكية إلى مكاسب سياسية، فحتى سقوط نظام بشار الأسد الذي أدى إلى خروج إيران وإن بدا مكسباً تاريخياً لإسرائيل، قبلته مكرهة، لأنه لن يقدم لها ما كانت ترغب فيه، ولا يستطيع أن يكون ركيزة في مشروعها الأحادي.

الثالثة: استراتيجية محور الممانعة بقيادة إيران التي تعيش حالة ارتباك غير مسبوق؛ فبعد خسارتها عنصر المبادرة في غزة ولبنان وسوريا، تراجع خطابها إلى شعارات لا تُقنع أحداً. فقدان الاستراتيجية القادرة على تحقيق الهدف الصعب التحقيق أو المتخيل، عمّق الانقسام داخلها بين متمسكين بنهج قديم ومناهضين له، لكن عاجزين عن ابتكار بدائل. هذا الارتباك ينسحب على حلفائها، إذ يتمسك «حزب الله» و«حماس» بالسلاح بوصفه هوية، فيما يتنازع قرارهما جناح يرفض الاعتراف بالتحولات وجناح يدرك الهزيمة لكنه بلا مخارج. وهكذا يبقى رهان المحور على عامل الوقت وتبدل مواقف الخصوم، بديلاً عن استراتيجية حقيقية للمستقبل.

تشترك هذه الاستراتيجيات في جملة من العيوب. أولاً: المسار المرجح في غزة وسوريا ولبنان لن يقود إلى سلام فعلي، بقدر ما يؤسس لتفاهمات أمنية تُسوق تحت عناوين التسويات أو السلام، دون أن ترقى إلى مستوى بناء نظام إقليمي جديد؛ بل تكتفي بتفاهمات أمنية. ثانياً: يغيب عن هذه الاستراتيجيات إدراك المتغير الاجتماعي؛ فالقوة وحدها لا تحسم الصراعات؛ بل قدرة الأطراف على مخاطبة مجتمعات فقدت الثقة بالوعود الكبرى، ولم تعد ترى مستقبلها في المقاومة أو التحالفات الخارجية؛ بل بتوفير الاستقرار والفرص واستعادة الثقة بالمؤسسات.

الجميع يراهن على الزمن، لكنه لم يعد ملكهم، فكل طرف يخسر مع مرور الأيام شيئاً من قدرته على التأثير؛ إسرائيل تخسر سمعتها وعلاقاتها، وإيران أوراقها، وواشنطن مصداقيتها. الزيارة هي اختبار لإرادة الجميع: هل يريدون مستقبلاً، أم استهلاك ما تبقى من حاضر هش؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن تحدي هندسة التنازع الإقليمي واشنطن تحدي هندسة التنازع الإقليمي



GMT 22:21 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 22:18 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 19:27 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 19:21 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 19:18 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

آخر نُسخ التهجير

GMT 19:15 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الهبد الطبى وإدمان الخرافة

GMT 19:13 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ !

GMT 19:10 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسونامى محمد صلاح!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 02:43 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

3 عوامل رئيسية عززت فرص الرياض لتصبح أول مدينة نشطة عالمياً
المغرب اليوم - 3 عوامل رئيسية عززت فرص الرياض لتصبح أول مدينة نشطة عالمياً

GMT 10:51 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

حمية طبيعية لزيادة هرمون الشبع GLP1 والتحكم بالوزن
المغرب اليوم - حمية طبيعية لزيادة هرمون الشبع GLP1 والتحكم بالوزن

GMT 16:59 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

بسمة تحسم الجدل حول مشاركاتها في موسم دراما رمضان المقبل
المغرب اليوم - بسمة تحسم الجدل حول مشاركاتها في موسم دراما رمضان المقبل

GMT 13:36 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

مصطفي قمر يطرح خامس أغانى ألبومه بعنوان مش هاشوفك

GMT 08:25 2013 الجمعة ,22 آذار/ مارس

وصفات لتغذية البشرة وإزالة النمش

GMT 15:14 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

احتجاز محمد البسطاوي في المستشفى العسكري في الرباط

GMT 23:27 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

اللون الأسود يقتحم مجموعة إيلي صعب لشتاء 2017

GMT 09:42 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "إنتل" تتعاون مع "AMD" لمنافسة "إنفيديا"

GMT 21:21 2022 الثلاثاء ,01 شباط / فبراير

إحباط محاولة للهجرة السرية في سيدي إفني المفربي

GMT 00:44 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

أبرز توقعات علماء الفلك برج الحوت لعام 2021
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib