الدولة اللبنانية وقبضة «حزب الله»

الدولة اللبنانية وقبضة «حزب الله»

المغرب اليوم -

الدولة اللبنانية وقبضة «حزب الله»

سام منسى
بقلم - سام منسى

 

شكّل موقف رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، غير المسبوق في وضوحه وصراحته عندما حدّد سلاح «حزب الله» بالاسم بوصفه سلاحاً خارجاً عن الدولة، لحظة مفصلية منتظرة في تاريخ العلاقة الملتبسة بين الدولة والحزب. لكن هذا الوضوح الرئاسي لم يُترجم إلى قرارات إجرائية لا لبس فيها. فعلى الرغم من أن قرارات مجلس الوزراء اللبناني بجلستيه بشأن «نزع السلاح غير الشرعي، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها»، أظهرت أن الدولة عازمة على المواجهة، فإنها احتفظت بصياغات ملتبسة تُجيدها السياسة اللبنانية. فهي من جهة رحّلت إلى الجيش مهمة وضع خطة تنفيذية دون أن توضح إذا كان المقصود «قيادة الجيش»، أو «مجلس الدفاع الأعلى»، وبما يوحي بنوع من التهرّب من المسؤولية، ومن جهة ثانية، اكتفت بإقرار «أهداف» الورقة الأميركية دون أي موقف بشأن الخطة الزمنية التي وضعتها.

يقول البعض إنَّ هذا الأسلوب مقصود لاحتواء الحزب، خصوصاً مع الإشكالات التي رافقت صدور القرارات من خروج الوزراء الشيعة من الجلسة اعتراضاً عليها، وتزامن الجلسة الأولى مع خطاب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم معلناً أن الحزب لن يسلم سلاحه، إضافة إلى استعراض الدراجات النارية، على طريقة «القمصان السود»، في تذكير للبنانيين والعالم بـ«7 أيار» جديد يُمكن استدعاؤه. والبعض الآخر المتحفظ عدّه هروباً إلى الأمام، وأن الدولة بأركانها ومؤسساتها لم تقتنع بعد أن الحزب انهزم، وأن البلاد دخلت مرحلة جديدة لا سيطرة له على مفاصل حياتها كافة. بدت السلطة اللبنانية وكأنها أسيرة «هيبة» مزعومة لـ«حزب الله»، عاجزة عن الاعتراف السياسي بالواقع الجديد، ما يضع لبنان أمام خطر تفويت فرصة تاريخية لإنهاء الأزمة البنيوية التي يمثلها استمرار وجود سلاح خارج الدولة. ويذهب هذا الاتجاه إلى إثارة جدل حول توصيف الناطق باسم الحكومة بأن انسحاب الوزراء الشيعية من الجلسة الثانية ليس اعتراضاً على مبدأ سحب السلاح، إنما على تفاصيل إجرائية، وهو ما أكده بعضهم، في وقت أكثريتهم محسوب على الثنائي الشيعي ورأس حربته «حزب الله» الذي أعلن رفضه المطلق لمبدأ تسليم السلاح. من نصدق بعض وزراء الثنائي أم الحزب؟

ليس المقصود التقليل من أهمية قرارات مجلس الوزراء، ولا ينبغي أن تفهم كأنها حدث عابر أو مناورة شكلية لامتصاص الضغط الدولي، بل يجب التعامل معها بوصفها لحظة تأسيسية لمسار سيادي طويل طال انتظاره يتطلب قبل كل شيء إرادة سياسية واضحة تقرّ بأن بقاء لبنان في دائرة الالتباس لم يعد ممكناً. فإما أن تنبثق من هذه اللحظة إرادة حقيقية تقود إلى ترسيخ منطق الدولة الواحدة والسلاح الواحد، وتعيد تموضع لبنان من النزاع العربي - الإسرائيلي، وإما أن تتحول إلى فرصة مهدورة جديدة، تضيع معها آخر إمكانيات الإنقاذ.

ومع أملنا بأن يكون التشاؤم مبالغاً، نؤكد مرة أخرى أن لبنان مطالب اليوم بالانتقال من مراعاة «حزب الله» إلى «قيادة مشروع لبناني بديل» لدور لبنان بالمنطقة، ورؤيته لمستقبل علاقاته مع دولها، خصوصاً العربية والصديقة. في مقالة سابقة، طُرحت خريطة طريق واقعية للخروج من مأزق السلاح تبدأ بإعلان لبنان الرسمي عن خروجه النهائي من النزاع المسلح مع إسرائيل والدخول في تفاهمات توقف العمليات القتالية، ما ينزع الذريعة الأساسية لبقاء سلاح الحزب. المسار الثاني يتمثل في فتح حوار مع النظام السوري الجديد لترتيب العلاقة الثنائية وفق قواعد السيادة والمصالح الوطنية، لا الإرث الاستتباعي الذي كرّس شرعية السلاح خارج الدولة.

الغاية من الخروج من الصراع العسكري إلى المواجهة السياسية هي حاجة ماسة إذا أراد لبنان الانخراط مجدداً بعلاقات دولية سليمة، وتحديث ديمقراطيته التي باتت باهتة، مستهلكة وعقيمة، لكنها رغم ذلك، تبقى منارة مضيئة مقابل ما نشهده من جنوح يميني متعصب عنيف يميل إلى الاستبداد في إسرائيل وآيديولوجيات إسلاموية متشددة تواجه الآيديولوجيات الوطنية.

على السلطة اللبنانية استكمال المسار الذي بدأته، وتكريس سيادة الدولة بقرار واضح لا لبس فيه، يعترف بأن مرحلة المقاومة العسكرية والسلاح الموازي انتهت، لا لأن إسرائيل طلبت ذلك، بل لأن بقاءه يعني سقوطها نهائياً وقفل باب الدعم الدولي لإعادة الإعمار والإنقاذ الاقتصادي.

لقد قالت الدولة كلمتها، فهل تملك الجرأة على استكمالها بالفعل؟ تحضرنا في هذا المقام نكتة: يُروى أن رجلاً كان مصاباً بمرض نفسي يعتقد جراءه أنه حبة قمح، ويعيش في خوف دائم من أن تلتهمه دجاجة. وبعد جلسات علاج طويلة، اقتنع أخيراً بأنه ليس حبة قمح. لكن في الجلسة الأخيرة، قال للطبيب بقلق: «أنا اقتنعت أنني لست حبة قمح... المشكلة أن تقتنع الدجاجة بذلك!».

التحدي الحقيقي اليوم، وهو الذي سيحكم إن كنا فعلاً دخلنا حقبة ما بعد «حزب الله»، أو ما زلنا نراوح في ظلّه، بانتظار معجزة لا تأتي. إن لم تتحرر الدولة اليوم من قبضة «حزب الله»، فلن تتحرر أبداً، وإن لم تقرّ السلطة السياسية بهزيمته، فلن تقدر على بناء مستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة اللبنانية وقبضة «حزب الله» الدولة اللبنانية وقبضة «حزب الله»



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib