المحاور والجبهات الغائبة

المحاور والجبهات الغائبة

المغرب اليوم -

المحاور والجبهات الغائبة

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

شعارٌ ارتفعَ عربياً منذ مطلع ستينات القرن الماضي، هو شعار «مقاومة العدو الإسرائيلي». خاض الشعراءُ والمغنّون والخطباءُ العرب، معركةً طويلة بلغةٍ لها حِراب لا تفلُّها السنون. بعد حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، وتوقيع مصرَ اتفاقيةَ السَّلام مع إسرائيل تفجَّر الغضب الشعبي والرسمي المعارض لتلك الاتفاقية. في سنة 1977 اجتمع قادة العراق، وسوريا، وليبيا، والجزائر، وجمهورية اليمن الجنوبي الديمقراطية الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية، في ليبيا وأعلنوا قيامَ ما سموه «جبهة الصمود والتصدي» ضد المخططات الصهيونية في العالم العربي. دول عربية أخرى شاركت في رفض الاتفاقية المصرية - الإسرائيلية، لكنَّها لم تنضم إلى الجبهة «الصامدة المتصدية»، واكتفت بمقاطعة النظام المصري ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس. لكن ضربة الانشقاق هوت مبكراً على الصامدين الرافضين. بعد اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية، انحازت كلٌّ من سوريا وليبيا إلى إيران في تلك الحرب، في حين حاولت الجزائر أن تلعب دورَ الوسيط بين المتحاربين، لكنَّها لم توفق، ودفعت في ذلك حياةَ وزير خارجتها محمد بن يحيى، في سقوط طائرته على الحدود بين إيران والعراق سنة 1982. حامتِ الشكوك حول دور الحكومةِ العراقية في تلك الحادثة؛ إذ علتْ أصواتٌ في وسائل الإعلام العراقية، ردَّدت أنَّ العراق لا يقبل أن تقوم دولة عربية بدور الوسيط، في الصراع بين إيران والعراق، والواجب القومي يفرض على كلّ العرب الوقوف إلى جانب العراق، ودعمه سياسياً وعسكرياً ومالياً. أصوات حزبية بعثية عراقية غمزت في عروبة الجزائر. شنَّت وسائلُ الإعلام المصرية الرسمية، حملة على ما سمَّته «جبهة السموم والتصدع». لم يصمد الصمود، ولم يتحدَ التحدي، وعاد العرب جميعاً إلى جامعتهم بالقاهرة بعد رحيل الرئيس المصري أنور السادات. كانت هناك محاولات عربية لتأسيس تكتلات إقليمية تحت عناوين وحدوية. «مجلس التعاون العربي» الذي ضمَّ كلاً من مصر، والعراق، والأردن واليمن، و«اتحاد المغرب العربي» الذي ضم دولَ شمال أفريقيا. تلاشى الاتحاد الأول بسرعة، أما الآخر فلم ينجح سوى في إبداع الإسفين، الذي وسَّع الانشقاق، ورفع البوابات التي أغلقت الحدود.

بدأت حلقة جديدة في موجة الشعارات والتحالفات في المنطقة. محورٌ جديدٌ بعبقٍ دينيٍّ إسلامي، مناهضٍ لإسرائيل والغربِ غابَ عنه النفَسُ القومي العربي، وسرى فيه النغمُ الإسلامي. تحالفٌ عسكري سياسي غير رسمي، حمل عنوان محور المقاومةِ والممانعة. ضم في حلبتِه حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطينيتين، و«حزب الله» اللبناني و«الحشد الشعبي» العراقي وحركة «أنصار الله» الحوثية اليمنية، وتوَّلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادةَ هذا المحور، ودعمه سياسياً وعسكرياً ومالياً. سنوات طويلة تنقلت فيها المنطقة من مخاض إلى آخر، لكن لا وليدَ من رحم حقبةٍ سالت فيها الدماء، وتسيَّد فيها العنفُ وهجرت الملايين أوطانَها خوفاً وطمعاً. تصدَّعت دولٌ، وصار الصراعُ العنيف على غنيمة السلطة، هو الجبهةَ والمحورَ والمقاومة، التي يدفع ثمنها المقهورون قتلاً وهروباً وفقراً، أمَّا إسرائيل التي تهاطلت عليها قذائفُ الشعارات، وتحلَّقت حولَها دوائرُ الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة، فقد استباح جيشُها الأرضَ وأباد البشر، وقطع الشجر ودمَّر الحجر.

غزة تبخرت فيها وحولها جعجعاتُ الصمود والتصدي والممانعة، وتعالت بين قبورِها وعلى رُكامها، آهاتُ الحزن وزخاتُ الدموع.

في الضفة الغربية يقضمُ المستوطنون اليهود أرضَها، ويقطعون أشجارها ويمتصون ماءَها. لبنان وسوريا استباح فيهما الجيش الإسرائيلي الناس والأرضَ والجبال والمياه، واتسع الاقتتالُ بين أطراف متنوعة طائفياً وعرقياً.

ألم توقظِ الضرباتُ التي استمرت عقوداً طويلة، وعبث الشعارات والتكتلات الوهمية، العقولَ وتفتح العيونَ لترى ما جرى، وتزيل الصممَ من الأذان كي تسمعَ رنينَ الصرخات وصدى الضربات؟

المحور الغائب الذي لم تُشد إليه رحال العقل، هو محور العلمِ الذي يقتحم ركامَ التخلف والجهل والضعف، ويمحو ما كتبته سنوات الهزائم الطويلة. الحقبة التي تنابز فيها الساسةُ بالخطابات، وخاضوا الحروبَ بالأناشيد والأغاني، وبشَّروا بتحرير فلسطين، والاتحادات والكيانات التي كانت مثل قطع من الزبدة فوق إناءٍ تحته جمرُ الزعامات والعداوات. المحور الذي نأمل أن تشرقَ شمسُه على دنيانا المظلمة، هو محورُ الفكر الحر الذي لا يضع له التائهون في سراب الماضي السحيق كماماتٍ على الأفواه وأقفالاً على العقول، ويرجمونه بحجارة التكفير والزندقة والفسق. الجبهة التي لم تتجمع فيها جحافل المقاومين والمتصديين والممانعين، هي جبهة الحرية التي تبدع قوة التحرير الحقيقية، حيث تتم تعريةُ جحور الفساد، ويردمها تراب القانون. العبور من آيديولوجيا التعميم القومي أو الديني، إلى حقائق الخصوصية الوطنية لكل أمة، معطية تأسيسية يُبنى عليها كيان الدول، حيث لكل شعب نسيجه الذي لا يماثل نسيج شعب آخر، من حيث التركيبة الاجتماعية والتراكم الثقافي والعقدي والصيرورة التاريخية، فلكل شعب خصوصيته المختلفة عن الآخر، مثل اختلاف بصمات الأصابع.

المحور الغائب الذي يجمع كياناتنا، ونصرُّ على أن نقاطعَه ويقاطعَنا، هو ملف الحقيقة. في أغلب الدول الحديثة، تُخرج الوثائق التي كانت سرية، بعد سنوات محددة لتكون في متناول الدارسين والباحثين والصحافيين، كي تُلقي الأضواء على ثقوب الخلل، وعلى محطات الصواب لتعلم الشعوب وتتعلم. لا نزال في انتظار تلك الجبهات والمحاور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المحاور والجبهات الغائبة المحاور والجبهات الغائبة



GMT 06:32 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 06:29 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 06:27 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

تكليفات الرئيس!

GMT 06:26 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

سمعة البرلمان!

GMT 06:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 06:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 06:09 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مُقرئ الفلوس

GMT 06:01 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

كعب لا تقبله أمريكا

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - المغرب اليوم

GMT 02:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ويتكوف يعلن توقيت انطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة
المغرب اليوم - ويتكوف يعلن توقيت انطلاق المرحلة الثانية من اتفاق غزة

GMT 11:34 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد رمضان يدخل منافسة عالمية ويستعين بجمهوره
المغرب اليوم - محمد رمضان يدخل منافسة عالمية ويستعين بجمهوره

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 14:33 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية العام فرصاً جديدة لشراكة محتملة

GMT 18:37 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور وتجنب الأخطار

GMT 21:04 2022 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

"طائرة الزمالك" يهزم المنيا 0/3 في دوري المرتبط

GMT 11:54 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

أخر صيحات الموضة لموسمي خريف وشتاء 2024-2025

GMT 01:34 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

بلقيس فتحي تطرح أحدث أغانيها "أحاول أغير"

GMT 06:31 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب ليستر سيتي يدخل دائرة اهتمامات إدارة مانشستر يونايتد

GMT 06:26 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 04:43 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

لاند روفر تخطط لإطلاق SUV صغيرة اقتصادية التكلفة

GMT 10:40 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الصحافة الإنجليزية تُواصل كشف فضائح قطر

GMT 08:36 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

2017 أقل من فرح وأكثر من خيبة

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" ينتهون من تصوير مشاهدهم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib