هل يولد خيار آخر

هل يولد خيار آخر؟

المغرب اليوم -

هل يولد خيار آخر

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

كنْ واقعياً واطلب المستحيل. مقولة نسبها البعض لتشي غيفارا، وهناك من نسبها إلى الحراك الطلابي في فرنسا سنة 1968، وامتد إلى عدد من الدول الأوروبية. مهما كان القائل، ففي هذه الكلمات المحدودة، تعيش حكمة رؤية سياسية، هناك من يتفق معها، ومن لا يتفق. السياسة ملعب الاختلاف الكبير، وكثيراً ما يكون الحَكَمُ غائباً، فيقدح العنف زناده بين الأطراف المختلفة. بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، في مطلع القرن العشرين، إثر هزيمة الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى، هيمنت كل من فرنسا وبريطانيا على مساحة واسعة من المنطقة العربية، سواء بالاحتلال المباشر، أو الحماية والوصاية. لم تُوجد دول عربية مستقلة قبل ذلك. تقسيم الدول العربية، أو البلاد العربية بفعل اتفاقية، أو مؤامرة «سايكس بيكو»، بين بريطانيا وفرنسا، جملة ما زالت تتردد في الأفواه والسطور. لم تقم دول عربية قبل نهاية الإمبراطورية العثمانية.

اتفاقية «سايكس بيكو» طاولت منطقتين عربيتين فقط، هما الشام والعراق. كل بلدان شمال أفريقيا والخليج العربي لم تكن على مائدة ذلك الاتفاق بين الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. بعد تراجع حقبة الاستعمار، بدأت حقبة الاستقلال في البلاد العربية، بعضها بقوة السلاح، وأخرى بقوة السياسة. النظام الملكي تم تبنيه في أغلب الدول المستقلة. الواقعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية كانت المنهج الذي رسم خرائط التأسيس والحكم. في مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، وبعد قيام دولة إسرائيل، شهدت المنطقة تحولاً كان له أثر واسع وعميق في مستقبلها. استيلاء ضباط من الجيش على الحكم في بعض البلدان العربية، أسس ذلك لحقبة غابت فيها السياسة الواقعية. انقسم العالم إلى معسكرين؛ الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي. المنطقة العربية حكمتها أنظمة سياسية، غالبيتها ملكية، في حين ظلت بلدان أخرى تحت الاستعمار أو الوصاية. بحكم الموقع الجغرافي الاستراتيجي وثروة النفط، صارت المنطقة حلبة يتنافس فيها القطبان الشيوعي والرأسمالي.

منطقة الشرق الأوسط العربية، ومعها تركيا وإيران وباكستان، تلامس الإمبراطورية السوفياتية الشيوعية جغرافياً. قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها إقامة سد سياسي وعسكري يمنع التمدد الشيوعي في المنطقة. «حلف بغداد» الذي ضم عدداً من دول المنطقة مع دول غربية كان هو السد الاستراتيجي ضد التمدد الشيوعي المخيف. بغداد التي حمل الحلف اسمها في البداية، لعبت حكومتها الملكية بزعامة نوري السعيد، دوراً مركزياً في الحلف الكبير. رفض نظام الضباط الأحرار في مصر الانضمام لهذا الكيان العسكري العابر للمنطقة. دفع هذا الموقف الولايات المتحدة إلى الاعتراض على تمويل صندوق النقد الدولي مشروع بناء السد العالي المصري. فشلت محاولات رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد إقناع مصر بالانضمام إلى الحلف. أطلق هذا الخلاف بداية انشقاق عربي، وصل إلى حالة العداوة بين الأنظمة. اضطر النظام الجمهوري المصري للاقتراب من الاتحاد السوفياتي، لتأمين احتياجاته العسكرية، وتمويل بناء السد العالي. قرار مصر تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني، صنعا حالة سياسية عربية جديدة غيّرت المسارات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

الوحدة المصرية - السورية كانت التجلي السياسي الكبير لذلك. إسقاط النظام الملكي في العراق، ونظام الإمامة في اليمن، وما تلاه من الحرب في اليمن التي لعب فيها النظام المصري دوراً كبيراً، وتوالي الانقلابات في العراق وسوريا والسودان وليبيا، وهيمنة الشيوعيين على السلطة في اليمن الجنوبي، أدخل المنطقة في دوامة الاستقطاب الدولي، في عالم تشتد فيه الحرب الباردة بين الشرق والغرب. القضية الفلسطينية ظلت الناقوس الحاضر في الضمير والوعي العربيين. تحرير كامل التراب الفلسطيني تحرك بين الشعارات والسياسة. الأنظمة العربية التي تبنت موقفاً راديكالياً، تمسكت بخيار المواجهة العسكرية مع إسرائيل، في حين تبنت أنظمة أخرى سياسة واقعية. في القمة العربية التي عقدت بمصر 1964، عقد الرئيسان جمال عبد الناصر والتونسي الحبيب بورقيبة اجتماعاً ثنائياً على هامش القمة. قال الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة للرئيس عبد الناصر: أنت الآن لك قوة وحضور وطني وإقليمي ودولي، ويمكنك أن تعمل على حل واقعي للقضية الفلسطينية، يقوم على قرار الأمم المتحدة الرقم 181، وإقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، ولنكن واقعيين، ونتبنى مبدأ خذ وطالب، كما فعلت أنا مع فرنسا.

لم يعترض الرئيس عبد الناصر على ما اقترحه بورقيبة، وإن لم يؤيده بوضوح. عندما زار بورقيبة الضفة الغربية، وأعلن رأيه في خطاب أمام جمهور غفير ووُجه بغضب عارم. هاجمت وسائل الإعلام المصرية بورقيبة، ووصفته بأبي خيبة وبالعميل للصهيونية والاستعمار. بعد هزيمة النظام العربي عسكرياً أمام إسرائيل في يونيو (حزيران) 1967، تراجع الخيار العسكري لتحرير فلسطين، وحلت المنظمات المسلحة محل الأنظمة. بعد ما عاشته المنطقة، وتعيشه القضية إلى اليوم، هل يُولد خيار آخر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يولد خيار آخر هل يولد خيار آخر



GMT 20:19 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

‎قمة الدوحة.. نريدها إجراءات وليست بيانات

GMT 20:16 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

سدودنا فارغة وسرقة المياه مستمرة

GMT 20:12 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

تاريخ «لايت»

GMT 20:10 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ما بعدَ هجوم الدوحة

GMT 20:08 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

بول بوت... جنون الإبادة الذي لا يغيب

GMT 20:07 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

ربع قرن على هجمات 11 سبتمبر

GMT 20:05 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

انزلاقات المرحلة

GMT 20:03 2025 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

أميركا... معارك الرصاص لا الكلمات

هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت -المغرب اليوم

GMT 01:02 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر
المغرب اليوم - زامير يقدّر أن السيطرة على غزة ستستغرق ستة أشهر

GMT 18:39 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه
المغرب اليوم - تامر حسني يتعرض لكسر في القدم ويخفي آلامه

GMT 22:50 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز حقائب اليد النسائية لخريف 2024

GMT 03:34 2021 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

تعرف على أكبر وأهم المتاحف الإسلامية في العالم

GMT 12:20 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

رحمة رياض بإطلالات مريحة وعملية عقب الإعلان عن حملها

GMT 15:53 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

الين يرتفع بدّعم تكهنات تعديل سياسة بنك اليابان

GMT 07:31 2021 السبت ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب الأهلي الإماراتي يخطط لانتداب أشرف بنشرقي

GMT 18:39 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 23:37 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

كورونا" يسبب أكبر أزمة اقتصادية منذ سنة 1929

GMT 23:46 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنك مغربي يصرف شيكا باللغة الأمازيغية

GMT 23:52 2019 الإثنين ,22 تموز / يوليو

الفيضانات تقتل 141 حيوانًا بريًا في الهند

GMT 11:06 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الكشف عن "ميني كاب"أصغر سيارة إطفاء في العالم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib