أحمد رامي شاعر الشجن اللذيذ

أحمد رامي شاعر الشجن اللذيذ

المغرب اليوم -

أحمد رامي شاعر الشجن اللذيذ

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

في داخل كل شاعر يتنفس فيلسوف. منهم من له زفير خافت قلَّ سامعوه أو ذاكروه، ومنهم الصادحون الذين عبروا الزمان، وسكنوا القلوب وحضروا في دورات الأفراح والأتراح. لا تخلو الدنيا في كل زمان ومكان من هامات إبداعية تعبر بالكلمة، عن مشاعرها وأفكارها بلغة تنتحها شجرة عبقريتها المتميزة، وتسكبها شعراً في قصائد مشحونة بقوة خاصة، تنساب في الوجدان نسيماً ساحراً لا تتوقف تياراته الشجية.

الشاعر الكبير أحمد رامي جعل من الكلمات كوناً خاصاً له عاش فيه وبه. اعتنق اللغة العربية الفصحى، وزخرف اللهجة المصرية، وهام في اللغتين الفارسية والفرنسية. أحمد رامي ترعرع في عصر الكبار من المبدعين، في مصر وكل البلاد العربية. تعلق مبكراً بأمير الشعراء أحمد شوقي وارتبط به. طاف في رحاب عمر الخيام وترجم بعض أعماله. أم كلثوم كوكب الشرق، صارت قمر كونه وشمسه، وصوتها هاتف الفجر والضحى والسحر في ذلك الكون البهي. ملأ الكوكب كون الشاعر، ونطق الضوء عشقاً يغني. ترجم أحمد رامي بعضاً من رباعيات الشاعر الفارسي عمر الخيام، وأبدع في ترجمة الرباعية التي يقول مطلعها:

سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحر

نادى من الغيب غُفاة البشر

هبوا املأوا كأس المُنى قبل أن

تملأ كأسَ العمرِ كفُّ القدر

في ترجمة هذه الرباعية، أضاف رامي لها ألقاً وجدانياً باذخاً. هل كان صوت أم كلثوم هو الصوت الهاتف الذي سمعه أحمد رامي في السحر، فأيقظه من غفوته، ليعيش فيه حباً وهياماً، والكأس الذي يسكب فيه أمانيه العاشقة ويرشف منه طوال عمره؟

أحمد رامي كان قصيدة طويلة، كُتبت بنبض حياة عاشت في قلوب كل المحبين. سكب في كلمات اللهجة المصرية حواس لها شفافية وهَّاجة تلامس آهات العاشقين طرباً وشجناً.

في قصيدته الغنائية،

حيرت قلبي معاك وانا بداري وخبي

قل لي أعمل إيه وياك ولا أعمل إيه ويا قلبي

بدي أشكي لك من نار حبي

بدي أحكي لك ع اللي في قلبي

وأقول لك ع اللي سهرني

وأقول لك ع اللي بكاني

وأصور لك ضنى روحي

وعزة نفسي منعاني

مونولوج روحاني يحتفي فيه الشجن بلذة حيرة تشعلها نار الحب، ويذكيها السهر والبكاء. يريد أن يعرب للحبيب عن حرقة وجد العشق، لكن الحيرة أثقل من اللسان.

في قصيدة سهران لوحدي، يسبح أحمد رامي في كون وجده، عندما نام كل الوجود حوله بينما هو ساهر، يناجي طيف حبيبه الساري في دنياه. يقول، وسهرت وحيد والفكر شريد، أتصور حالي أيام وليالي مرت على بالي.

يخاطب الحبيب بالقول:

ياللي رضاك أوهام والسهد في أحلام، حتى الجفا محروم منه.

السهد حلم والجفا أمنية يُحرم منها الحبيب. يا له من حرمان مُبتغى، وبغية لا تُطال. شجن مركب فيه لذة باذخة، ينقش فيها الشاعر آهاته على نبض تهزّه نسمات عشق لا تهدأ.

الأنين اللذيذ

في قصيدة ياللي كان يشجيك أنيني، يكتب أحمد رامي بحروف تتأوه وتنزُّ أصواتاً تتعانق عشقاً وحنيناً. فيها حرارة الحرقة، ولذة الشجن في القرب والبعد. شعر يضجُّ بشعور يلهب قلب مدلَّهٍ مكلوم. يقول رامي:

ياللي كان يشجيك أنيني كل ما أشكي لك أسايا

كان منايا يطول حنيني للبكا وانت معايا

حرمتني من نار حبك وأنا حرمتك من دمعي

يا ما شكيت وارتاح قلبك أيام ما كنت أبكي وانعي

مفتتح للولوج إلى كون الشجن الفسيح.

مخاطباً الحبيب معاتباً ومنبهاً بقوله:

عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك

وتجيب خضوعي منين ولوعتي في هواك

يقول للحبيب إنَّ رفعة جمالك لا تتم إلا أمام حبيب ذليل له خاضعاً وملتاعاً. هذا رامي فيلسوف الشجن اللذيذ، يشدو بزفرات آهاته.

فضلت أعيش بقلوب الناس وكل عاشق قلبي معاه

شربوا الهوى وفاتوا لي الكاس من غير نديم أشرب وياه

الشجن روافد نهر إبداع أحمد رامي الذي لا يتوقف تدفقه، سابحاً فيه بلهجة مصرية معطرة بنعومة رشيقة بهية. اللغة العربية سكنت مبكراً في وجدان رامي، وهام فيها عشقاً وتعبيراً رقيقاً. عندما يقبل الليل يحتفي به الشاعر أحمد رامي، رفقة الشجن الفصيح هائماً في دنيا الحبيب. في قصيدة أقبل الليل يقول:

يا حبيبي أقبل الليل وناداني حنيني

وسرت ذكراك طيفاً هام في بحر ظنوني

ينشر الماضي ظلالا كان أنساً وجمالا

فإذا قلبي يشتاق إلى عهد شجوني

وإذا دمعي ينهلّ على رجع أنيني

عاش معه ملايين العرب، في دنيا سرى الشجن في دوراتها. كان صوت الشرق الساحر، أم كلثوم النغم الروحاني الزعيم، الذي حول شجن أحمد رامي، إلى ذبذبات لذيذة تنساب في الوجدان، على امتداد الزمن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحمد رامي شاعر الشجن اللذيذ أحمد رامي شاعر الشجن اللذيذ



GMT 22:32 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 22:19 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 22:18 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

GMT 22:17 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دولة فلسطينية مستقلة حجر الزاوية للسلام

GMT 22:15 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تعريفات ترمب هزّت العالم وأضرّت أميركا!

GMT 22:14 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 22:13 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

المانيفستو السياسي للإدارة الأميركية

GMT 22:12 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

لبنان امتحان لسوريا… وسوريا امتحان للبنان

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:30 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

آسر ياسين يحل ضيفًا على عمرو الليثي في "واحد من الناس"

GMT 06:45 2022 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

سيرين عبد النور تتألق في فساتين مميزة وجذّابة

GMT 17:30 2022 الأربعاء ,14 أيلول / سبتمبر

تصاميم حديثة لأبواب المنزل الخشب الداخليّة

GMT 22:41 2022 الخميس ,02 حزيران / يونيو

السعودية تعلن عن عدد الُحجاج موسم هذا العام

GMT 01:51 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

تطوير روبوت يمكنه أن يفتح الأبواب بنفسه

GMT 23:24 2021 السبت ,16 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل استدعاء نورة فتحي للتحقيق في قضية غسيل الأموال

GMT 16:18 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

خبر صادم لأصحاب السيارات المستعملة في المغرب

GMT 21:29 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أسباب الإقدام على تغيير زيت الفرامل باستمرار في السيارة

GMT 04:06 2020 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور منصف السلاوي يكشف عن موعد استخدام لقاح "فايزر"

GMT 18:11 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التفاصيل الكاملة لإلغاء حفل سعد لمجرد في مصر

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib