بقلم : محمد أمين
شىء ما جعلنى أتذكر الدكتور حامد طاهر، وكان يعقد صالونه الأدبى فى منزله فى بين السرايات، وكان يحضره كثير من تلاميذه فى دار العلوم ومحبيه وأصدقائه، وكان من بينهم الدكتور محمد عثمان الخشت الذى أصبح فيما بعد رئيسًا لجامعة القاهرة.. وكان من ضيوفه الدكتور مراد وهبة والدكتورة منى أبوسنة أستاذا الفلسفة وغيرهما بالطبع.. كان الدكتور حامد مختلفًا عن أساتذة دار العلوم وعمدائها.. وكان تنويريًا وشاعرًا وفيلسوفًا، يحب الصحافة والإعلام ويدعو الصحفيين للصالون، وينتظر تعليقات وتغطيات وردود الأفعال!.
ذات مرة، حضرت الصالون فتاة رائعة الجمال كنجمات السينما، قال لى إنها حفيدة أحمد باشا حمزة، فقلت لها أنا أيضًا من القليوبية!، وعرفت أن لها مظلمة فى الجامعة، لأن المشرف على رسالتها يضايقها.. تحمست جدًا للتدخل وإنهاء مشكلتها، فقالت إن والدها لواء شرطة، وقد ذهب بنفسه لرئيس الجامعة، لأن المشرف يعطلها ويضايقها ويبتزها.. فقلت للدكتور حامد طاهر وكان نائب رئيس الجامعة أن ينصفها، ولعلها جاءت إلى الصالون عندما سمعت به لهذا الغرض!.
وبدأت معرفتى بهذه الفتاة وقرأت عن أسرة أحمد باشا حمزة، فعرفت أنه الرجل الذى أضاء المسجد النبوى وحوله من الإضاءة بالفتيل والقنديل إلى الإضاءة الحديثة.. وهو وزير التموين والزراعة فى عهد النحاس باشا رئيس مجلس الوزراء، وصاحب أول مصنع عربى لإنتاج الزيوت العطرية!..
ولد «حمزة» فى مايو عام ١٨٩١ وتوفى فى مايو عام ١٩٧٧، من قرية طحانوب مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية.
فى عام ١٩٤٧ كان أحمد باشا حمزه يؤدى مناسك الحج، وبعد أدائه فريضة الحج قام بالذهاب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوى وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا أنه تفاجأ بأن المسجد النبوى بلا كهرباء، ولكنه يضاء بالمصابيح الزيتية فقط.. عاد أحمد باشا حمزة إلى مصر وقد اتخذ قرارًا مهما، وهو شراء محولات كهربائية بالإضافة إلى عدد من المصابيح، على نفقته الخاصة، وذلك بغرض إنارة المسجد النبوى!.
وكلف الدكتور محمد على شتا، مدير مكتبه، بالذهاب إلى المدينة المنورة بصحبة عدد من المهندسين لتنفيذ الأمر.. وهذه القصة حكاها لى الدكتور شتا وكان نائب رئيس الوفد، فى عهد فؤاد سراج الدين.. وكنت أشرف بحكايات شتا وعلى سلامة فى بعض الأوقات التى ألتقى بهما فيها، وكانت الحكايات عن زعماء مصر ورجالها، مما يجعلك فخورًا بانتمائك للوفد ورجاله!.
مرت أربعة أشهر وتحول بعدها المسجد النبوى من الظلام الدامس إلى النور، فاحتفلت المملكة العربية السعودية بهذا الحدث وهو إضاءة المسجد النبوى.. رحم الله أحمد باشا حمزة، وأرجو أن تدلنى حفيدته على ما صارت إليه الآن!.