الظهور المبللة

الظهور المبللة

المغرب اليوم -

الظهور المبللة

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

الهجرة من بلد إلى آخر أكانت قانونية أم غير قانونية لها مسار طويل في العلاقات الإنسانية، ومصطلح «الظهور المبللة»، وهو مصطلح مهين، ظهر لأول مرة لوصف المهاجرين غير القانونيين من المكسيك إلى الولايات المتحدة عبر النهر الجديد على الحدود، ثم أصبح شعبياً عندما قرَّرت إدارة دوايت أيزنهاور في خمسينات القرن الماضي أن تُهجّر قسراً من وصل من جنوب القارة من المهاجرين بالقوة.

في السنوات الأخيرة تفاقمت قضية الهجرة والهجرة غير القانونية، وانشغل بها العالم، تأييداً أو نقداً، في الغالب الدول الصناعية والغنية التي هي هدف الهجرة، وظهر فيها في السنوات الأخيرة توجه عنصري، وأصبحت صناديق الانتخاب تفرز يميناً متطرفاً يضع اللوم عن كل مشكلات مجتمعه على الهجرة، وبدا اليمين المتطرف يصل إلى سدة اتخاذ القرار بسبب ما يحمله من عداء للأغراب، كما أصبح غرق القوارب المطاطية في بحر المانش أو الأبيض خبراً يومياً، العنصرية تغري العامة باتباع من ينادي بها.

في الحملة الانتخابية الأميركية، نائب الرئيس ترمب المرشح جيه دي فانس قال: بمجرد أن نصل إلى البيت الأبيض سوف نرحّل قسراً مليون مهاجر غير قانوني، مع العلم أن ثاني مجموعة مهاجرة للولايات المتحدة بشكل غير قانوني هم من الهند!

في أغسطس (آب) الماضي نفذت الحكومة الألمانية ترحيل 28 أفغانياً، كما أعلنت أنها بصدد الدخول في مفاوضات مع دمشق وكابل من أجل ترحيل غير المرغوب في بقائهم في ألمانيا، بعض التقارير تعدهم بالملايين، على الرغم من أن تلك التصريحات تتعارض مع نصوص الدستور الألماني ومعاهدة جنيف للاجئين.

حزب البديل الألماني اكتسح الانتخابات الإقليمية آخر أغسطس الماضي، وهو يحمل شعار التخلص من كل ما هو غير ألماني، بمن فيهم من يحمل الجنسية الألمانية، ومن أصول خارجها! لقد تزامنت الانتخابات مع قتل ثلاثة أشخاص بالسلاح الأبيض، وإصابة ثمانية آخرين في مدينة رولنتغتن، قيل إن المنفذ سوري ينتمي إلى حركة «داعش»!

في بريطانيا، الحكومة المحافظة التي فقدت السلطة بعد 5 يوليو (تموز) هذا العام، كانت قد وضعت خطة لتهجير اللاجئين والمتدفقين إليها من البحر إلى رواندا، وجرى نقاش في البرلمان والصحافة البريطانية حول تلك الخطة، ووصلت إلى أن تصبح قانوناً، ولم تنفذ بسبب خسارة المحافظين، ومن المفارقات أن الحكومة التي وضعت تلك الخطة كان يرأسها ابن مهاجر من الهند، وما إن تسلمت الحكومة الجديدة حتى اندلعت في وجهها حركة عصيان، كانت بسبب قتل طفل أسود ثلاث فتيات بيض، سرعان ما ادُّعي أنه مسلم (إرهابي)، فهاجمت مجموعات اليمين البريطاني كل ما هو ملوَّن وخاصة الإسلامي، مع أن القاتل بريطاني ملوَّن من أسرة مهاجرة قديمة ومسيحي! الشعور العام ضد الهجرة متجذر، ويظهر عنيفاً بين وقت وآخر، ولا ينتظر الحقائق كي ينفجر، وفي تقرير أن السود في لندن عرضة للقتل أكثر من الآخرين ثلاث مرات.

سيدة وارسي (هذا اسمها) هي محامية وسياسية بريطانية من أصول باكستانية، والدها كان يعمل سائق حافلة عامة، وهي أول وزيرة مسلمة بالحكومة البريطانية في حكومة ديفيد كاميرون، استقالت عام 2014 بسبب أحداث غزة وقتها، وعُيّنت في مجلس اللوردات، نشرت كتاباً لافتاً حول الموضوع بعنوان: «العدو من الداخل... حكاية مسلمي بريطانيا»، ربما الأوفى في شرح ما يعانيه المهاجرون، وخاصة المسلمين، ترى أن التعميم هو أول ما يذهب إليه الجمهور، فما إن يحدث عمل إرهابي من شخص مسلم، بسبب ضيق حياته، أو مشكلات شخصية يواجهها، أو حتى خلل عقلي؛ سرعان ما يُتهم كل المسلمين بأنهم إرهابيون، ذلك ما يتكرر تقريباً في معظم المجتمعات الغربية.

الخطوات الثلاث لوضع الآخر المختلف في تلك الخانة؛ خانة العداء، هي: أولاً التهميش، وثانياً الشيطنة، وثالثاً نزع الصفة الإنسانية، بذلك يسهل اتخاذ أي تصرف تجاهه، وأقله شحنه قسراً إلى الخارج.

لا تخفي سيدة وارسي أن هناك هامشاً من التسامح في المجتمع البريطاني، وهناك شخصيات ناجحة في الإعلام والصحافة والأعمال الخاصة والتعليم والتطبيب، إلا أن تلك نادراً ما يجري الإشارة إليها، وتُعظَّم أعمال القلة الخارجة عن القانون.

وإن أردنا أن نجمل العوامل التي تقود إلى الكراهية والتطرف ضد الآخر، فإنها لا تخرج عن صراع على المصالح الاقتصادية، والتي يرى فيها البعض أن الآخر «يزاحمهم» دون وجه حق في معيشتهم، وبعضهم يذهب إلى أن الآخر «يسرق منهم حقهم» في العمل أو العيش، ولكن ذلك لا يخرج إلى السطح بوضوح؛ أي العنصر الاقتصادي، ما يخرج إلى السطح هو كراهية المختلف الآخر من حيث اللون والعِرق والثقافة واللغة والدين والمذهب، وغيرها من العوامل؛ لأنها عوامل يمكن إقناع العامة بها بشكل أسرع. أما تلك الخلفية (المزاحمة الاقتصادية) فلا تظهر على السطح، ولكن يكمن فيها تفسير كل أو معظم أشكال التطرف، وإن أخذت مظاهر أخرى، من أهمها التخلص من «الظهور المبتلة» الذين لا يشبهوننا!

آخر الكلام: التوجه العالمي إلى اليمين وكره الآخر منتشر، ويحدث في المجتمعات التي تفشل قيادتها في حل المشكلة الاقتصادية، بصرف النظر عن المكان الجغرافي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الظهور المبللة الظهور المبللة



GMT 17:11 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة أوهام إيران والإخوان

GMT 17:10 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

يوم وطني في حرثا

GMT 17:08 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

مفكرة القرية: القرد وعايدة

GMT 17:07 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

تعفّن الدماغ... وحبوب الديجيتال

GMT 17:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

ثلاثة مسارات تغيير في الشرق الأوسط

GMT 17:03 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

أي كأس سيشرب منها كل من خامنئي وترمب؟

GMT 17:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

«كايسيد»... آفاق مشتركة للتماسك الاجتماعي

GMT 17:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

المستفيدون من خفض سعر الفائدة

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 21:54 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة "عيد الفصح"
المغرب اليوم - زيلينسكي يعلن موقفه من هدنة

GMT 23:53 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعب الأهلي المصري وليد سليمان يعلن إصابته بكورونا

GMT 06:34 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

النجم علي الديك يكشف عن "ديو" جديد مع ليال عبود

GMT 02:20 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

الدكالي يكشف إستراتيجية مكافحة الأدوية المزيفة

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

مي حريري تكشف تفاصيل نجاتها من واقعة احتراق شعرها

GMT 04:04 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفيلم السعودي 300 كم ينافس في مهرجان طنجة الدولي

GMT 06:00 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار جديدة لاستخدام القوارير الزجاجية في ديكور منزلك

GMT 02:38 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

زيادة طفيفة في التأييد العام للسيدة الأولى ميلانيا ترامب

GMT 14:00 2023 السبت ,25 آذار/ مارس

عائشة بن أحمد بإطلالات مميزة وأنيقة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib