«الغلبان» و«القانون» و«فش الغل»

«الغلبان» و«القانون» و«فش الغل»

المغرب اليوم -

«الغلبان» و«القانون» و«فش الغل»

أمينة خيري
بقلم - أمينة خيري

سار الأخ عكس الاتجاه، كما أصبحت العادة فى الكثير من الشوارع، بما فيها شوارع حيوية لا يمكن تخيُّل أن يقوم أحدهم بقيادة سيارته عكس الاتجاه فيها إلا لو كان مصابًا بخلل عقلى شديد. كنت أعبر الطريق فى شارع سوريا فى المهندسين فى وضح النهار، ولولا ستر الله، لحدث ما لا يحمد عقباه. الأستاذ العابر عكس الاتجاه كان يقود السيارة وطفلة صغيرة تفصل بينه وبين مقود السيارة، والمدام إلى جواره، وبقية الأولاد فى الخلف، ولافتة دينية ضخمة تغطى زجاج السيارة الخلفى من أوله إلى آخره.

بالطبع، سيترك البعض كل ما ذكرت، ويمسك فى «وما علاقة اللافتة الدينية بما جرى؟»، و«لماذا تكرهون الدين والمتدينين؟».. إلى آخر أوركسترا النظرة الأحادية التى لا ثانى لها، ذات البعد الواحد والفكر الواحد والرأى الواحد والزاوية الواحدة.

مبدئيًا، العلاقة تكمن فى الصلة الوثيقة بين الدين والأخلاق، وبين الدين والتصرفات، وبين الدين وحق الحفاظ على النفس والآخرين، وبين الدين والنظام.. والقائمة طويلة. ما علينا، ما جرى بعد ذلك فى الحقيقة جدير بالتأمل. هدَّأ الإخوة المارة من غضبى، ولا سيما أن الأخ قائد السيارة المؤمن كان يضحك ملء شدقيه. وحين «برطمت» بأن قائد السيارة هذا يستحق أن يحاكم، بادرنى أغلبهم بمنطق قوامه: «حرام عليكى. خلىّ الناس تتنفس. وطالما ما حصلش حاجة وربنا قدر ولطف، يبقى ما نجيش على الغلابة».

كل ما ذُكِر من حجج يستحق أطروحة دكتوراة، بدءًا من حرمانية المطالبة بالمحاسبة، مرورًا بربط الحرية بكسر القوانين وتعريض حياة النفس والآخرين للخطر، وانتهاءً بهذه العلاقة الغريبة بين «الغُلب» والخروج على القانون.

الطريف والظريف أن هذه الشبكة من العلاقات العجيبة على ما يبدو أصبحت، أو كانت هكذا، لكن تجذّرت وتطورت وتوسعت، أشبه بعُرف وثقافة. ذكّرنى أحد الأصدقاء بالربط الشعبى القديم بين «الحرامى الغلبان» الذى كان ينشل أحدهم فى الأتوبيس أو الترام، ويُكتشف أمره، فيتبرع المواطنون بضربه علقة ساخنة، وحين يصل العسكرى (ممثل الحكومة) ليصطحبه إلى القسم، يبادر المواطنون أنفسهم بتخليص الحرامى من يد العسكرى؛ لأنه «غلبان»؛ ولأنهم قاموا بالواجب معه.. وهذا يكفى.

أتفهم تمامًا أن الضغوط كثيرة، والمشكلات عويصة، والقلق كبير.. لكن أقف عاجزة تمامًا عن منظومة ربط أشياء لا علاقة لها ببعضها وتقديمها للمجتمع، ومن ثم قبولها باعتبارها منظومة منطقية. ما علاقة أننى غلبان أو مقهور أو قلقان بتبرير سيرى عكس الاتجاه، على سبيل المثال؟!.

أعرف أن قائمة من التفسيرات جاهزة، حيث نظرية «فش الغل»، أو الانتقام من الحكومة أو فئات بعينها فى المجتمع بطريقة «علىَّ وعلى أعدائى»، أو الشعور بالعجز الذى يُتَرجَم عنفًا أو خرقًا للقوانين أو ممارسة ما يتعرض له مما يعتبره ظلمًا عبر ممارسة الظلم نفسه على من هم أضعف منه.. لكن هل من مهتمين بتحليل أحوال الشارع فى ضوء المتغيرات؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الغلبان» و«القانون» و«فش الغل» «الغلبان» و«القانون» و«فش الغل»



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية

GMT 14:41 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

تصرفات عقارات دبي تربح 3.43 مليار درهم في أسبوع

GMT 16:21 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الملفوف " الكرنب" لحالات السمنة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib