المأزق المشترك في المغرب

المأزق المشترك في المغرب

المغرب اليوم -

المأزق المشترك في المغرب

محمد الأشهب


لم تندحر حكومة رئيس الوزراء المغربي، زعيم «العدالة والتنمية» الإسلامي عبد الإله بن كيران في ذروة تأجج الصراع الذي أطاح قلاع حكومات إسلامية في مصر وتونس واستمرت تداعياته على أكثر من صعيد في مناطق أخرى، لذلك يبدو الجدل الدائر في المغرب حول احتمال استقالة بن كيران أو دفعه إلى الدعوة إلى انتخابات اشتراعية سابقة لأوانها في حال الوفاق مع القصر، كما ينص على ذلك دستور البلاد، أقل مدعاة للقلق.
الحكومة من وجهة نظر رئيسها أشبه بفريق يلعب جيداً، ولا حاجة لتغييره في الشوط الأخير، مع ترك الباب نصف موارب أمام احتمالات تعديل حقائب وزارية محددة. لكنها على النقيض من ذلك تعتبر المعارضة أن الحكومة أقحمت البلاد في تراجعات اقتصادية وسياسية، مستندة في ذلك إلى تزايد حجم الديون الخارجية وزيادة أسعار البنزين والمشتقات وأسعار المواد الاستهلاكية، وبعدما كان الصراع يطاول المواقف السياسية والحزبية، استقر عند حيثيات أخلاقية، من قبيل زيجات وزراء، تحولت إلى قضية رأي عام.
غير أن أطوار المواجهات التي زادت حدتها، إلى أن بلغت درجة تحكيم المؤسسة الملكية حيال استخدام رموز في الخطابات الحزبية، يفترض أن تظل بعيدة عن المنافسات من قبيل استخدام موقع الملك، إنما يشير إلى المأزق المشترك الذي وصلت إليه المعارضة والحكومة معاً في إدارة خلافاتهما بوسائل ديموقراطية أكثر واقعية ونجاعة. بخاصة أن المواجهات لم تنخرط فيها كل فاعليات الائتلاف الحكومي، وأبقت على الطابع الأيديولوجي في عراك المعارضة والحزب الإسلامي. ولا يمكن في غضون ذلك، إغفال البعد الانتخابي الذي فرض نفسه قبل حلول موعد استحقاقات البلديات والجهات والغرفة الثانية في البرلمان خريف السنة الحالية.
اللافت أن الصراع الذي يبدو في أفقه السياسي وصل إلى خط اللاعودة، لم يكن كذلك في حوار إقرار النظام الجهوي الذي يسمح بإقامة مؤسسات منتخبة أقرب إلى حكومات محلية في تدبير شؤون المحافظات والتقسيمات الإدارية. ما يعني في أقل تقدير أن الانكفاء على البحث في إجراءات ملموسة، على طريق إعداد القوانين التنظيمية وتلك المرتبطة بتنفيذ مقتضيات الوثيقة الدستورية، يجنب الفرقاء السياسيين المتصارعين مخاطر العودة إلى نقطة الصفر.
على رغم أن أطياف المشهد الحزبي ومكونات المجتمع المدني يلتقون عند فكرة أن ما يعرف بـ»الاستثناء المغربي» في تجاوز «الربيع العربي»، ودمج فصيل إسلامي كبير في التحولات السياسية، من منطلق قيادة الحكومة الحالية، عبر تجربة سياسية متميزة إلى حد ما، جنب البلاد مخاطر وشيكة، فإن الصراع بين المعارضة والحكومة ومربع الخلافات المذهبية، إلى درجة استخدام مرجعيات دينية في تسجيل ضربات الخصوم ضد بعضهم.
ربما جاز ربط الموجة الجديدة من المواجهات باقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، على اعتبار أن الولاية الاشتراعية الحالية ستنتهي نهاية عام 2016. لكن الأهم في التجربة السياسية الراهنة لم يكن انتقال الإسلاميين إلى الواجهة، طالما أن وجودهم السابق في المؤسسة الاشتراعية، وإن في صفوف المعارضة لم يطرح إشكالات التعاطي ووجود حزب إسلامي، وإنما الاكتساح الذي حدث في اقتراع تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أثار الانتباه إلى وجود فاعليات من غير الأحزاب التقليدية في إمكانها إحداث المفاجأة.
إلى اليوم، لم تحدد جماعة «العدل والإحسان» موقفاً نهائياً حيال مبدأ المشاركة في الانتخابات، أقله أن رغبتها في أن تصبح حزباً سياسياً يخضع لمنظومة قانون الأحزاب، لا يوازيه تطور ملموس في هذا الاتجاه. إلا أن مشاركة مناصريها في انتخابات البلديات والجهات لم يحسم بعد. وإذا كان صحيحاً أن هكذا معادلة سابقة لأوانها، فإن التدرج الذي ميز تصاعد نفوذ «العدالة والتنمية» على حساب أحزاب المعارضة التقليدية لا يمكن إسقاطه من الاعتبار. ويبقى أن التلويح باستخدام الأوراق المتاحة كافة لا يزيد على الرغبة في تأمين الوجود وتحقيق مكاسب جديدة. أكان ذلك بالنسبة لحزب رئيس الحكومة أو معارضيه.
كل الاحتمالات متاحة، لكن في غياب النزوع إلى الاستئناس باستطلاعات الرأي، كونها تندرج من وجهة نظر رسمية في نطاق منافسات انتخابية قبل أوانها. وكل ذلك مجرد تفاصيل أمام الرهان الأكبر لحفظ الاستقرار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المأزق المشترك في المغرب المأزق المشترك في المغرب



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib