بلديات المغرب والتحدي الاجتماعي

بلديات المغرب والتحدي الاجتماعي

المغرب اليوم -

بلديات المغرب والتحدي الاجتماعي

محمد الأشهب


انتخابات بلديات الخريف المقبل في المغرب ستكون حاسمة. إن لم يكن على صعيد الخارطة السياسية ذات الارتباط بالاشتراعيات التي تنبثق منها الحكومات والمعارضات، فأقله على مستوى تجريب أول اختيار يفضي إلى تشكيل «مجالس جهوية» أقرب إلى حكومات محلية مصغرة بصلاحيات واسعة في تدبير الملفات الاقتصادية والاجتماعية، من منظور اللامركزية المتطورة التي تخفف الأعباء عن السلطة التنفيذية.
استقراء الواقع يؤكد غياب التوازن في النسيج الاقتصادي والاجتماعي. فهناك أقاليم ومحافظات حظيت بقسط أكبر من الموارد والمرافق والتجهيزات والبنيات، فيما لا تزال أخرى تشكل غالبية المجالات الترابية والإدارية، ترزح تحت تأثير الهشاشة ونقص الموارد وسوء توزيع حظوظ المشاركة في التنمية، إلى درجة تبدو فيها الفوارق هائلة بين منطقة جغرافية وأخرى في البلد الواحد.
مصدر ذلك أن المدن الساحلية، خصوصاً عند محور الرباط- الدار البيضاء، وطنجة- أكادير، استقطبت جهود التنمية في مقابل تجاهل مناطق العمق والأرياف، جراء تركيز مخططات سابقة على إنتاجية انتقائية، تهم السياحة أو الزراعة أو الصيد الساحلي أو الخدمات، فيما تراجع نصيب جهات بعيدة من المركز بما لا يساعد في المشي بسرعة متوازية.
وعلى رغم التعويل على خيار الديموقراطية المحلية أن يجذب النخب والموارد والمشاريع التي تغير وجه البلاد باتجاه نوع من التوازن، إلا أن الديموقراطية المحلية واجهت صعوبات وإكراهات من قبيل نقص الموارد وغياب سياسة تضامنية فعالة.
خفضت جهات البلاد في التقسيم الجديد إلى 12 بدل 16، انطلاقاً من معايير الكثافة البشرية والخصوصيات الثقافية وتنوع الموارد الاقتصادية. غير أن التفاوت الحاصل بين الفئات والمجالات يضع مسؤوليات أكبر أمام التجربة الجديدة التي ستكون الأولى من نوعها، لناحية الاقتراب من نظم الحكم الذاتي التي تأكدت فعاليتها في مسارات دول أوروبية مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا، كونها أقرب إلى التدبير الميداني الذي لا ينتظر إشارة الضوء الأخضر من المركز، إذ يتعلق الأمر برهان التنمية المتوازنة.
عملياً أنهى المغرب أكثر المراحل دقة في التأهيل الدستوري والسياسي الذي لا يزال في حاجة إلى لمسات. والأهم أنه لم تعد هناك حدود فاصلة بين أي من الفاعليات الحزبية، يمينية ويسارية أو في نطاق استيعاب الحركات الإسلامية، وتحمل المسؤوليات الحكومية التي صارت في حكم مفاصل صناديق الاقتراع.
وقد يكون التحدي الذي يكمل قطب الدائرة، يكمن في كيفية جذب إسلاميي «جماعة العدل والإحسان» المحظورة إلى مربع المشاركة السياسية. طالما أن البلاد جربت انتقال المعارضة اليسارية في الطبعة الأولى للتناوب، وصنوتها الإسلامية في الحكومة الراهنة التي استوعبت حزباً شيوعياً سابقاً. ولم يبق الدور سوى على إسلاميي «العدل والإحسان» للانغماس في مشروع المشاركة السياسية.
غير أن اقتحام أبواب السياسة ليس مثل النفاذ إلى عالم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل أبرز محك لاختبار النيات والقدرات وترجمة الوعود والتمنيات إلى حقائق ملموسة على الأرض. فهذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية تلقي بظلالها على رهانات تفعيل منظومة الإصلاحات السياسية والدستورية، خصوصاً على صعيد القضاء والتعليم ومواجهة معضلة بطالة الشباب حملة الشهادات الجامعية.
الحلول الميدانية لمثل هذه الظواهر على صعيد كل محافظة أو إقليم تبدو أقرب إلى الفعالية والقابلية. وكل ذلك رهن حيوية ونجاعة الديموقراطية المحلية، خصوصاً في ظل انتفاء الحواجز السياسية، إذ في إمكان الشركاء كافة، وضمنهم الإسلاميون المعتدلون واليساريون الذين يقفون إلى هامش اللعبة الديموقراطية أن يجدوا في انتخابات البلديات والجهات بواعث مشجعة، كون الديموقراطية المحلية أكثر التصاقاً بمشاكل المواطنين في الأحياء والمدن والأرياف.
مؤشرات بهذا التحول يمكنها أن تنقل المعركة من برجها السياسي إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي في حال توازت واختيار نخب جديدة ببرامج محددة في الزمان والمكان. غير أن توازن الأدوار بين المركز والهوامش لا ينبغي أن يخلق قلاعاً ولوبيات تنفرد بالقرارات المحلية، وإنما يتعين حفظ تماسك البنيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بما يعزز المنافسة في نطاق تعددية حقيقية تحت ظل الوحدة. وقد يكون لاختيار المحافظات الصحراوية منطلق الحكم الذاتي، ما يفيد في تلمس معالم الطريق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلديات المغرب والتحدي الاجتماعي بلديات المغرب والتحدي الاجتماعي



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 18:02 2019 الثلاثاء ,27 آب / أغسطس

طاليب يغير البرنامج التدريبي للجيش الملكي

GMT 03:11 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

طريقة تحضير الأرز الأبيض بأسلوب بسيط

GMT 21:58 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من تميز إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 07:30 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

ظافر العابدين يكشف أسباب وقف تصوير فيلم "أوف روود"

GMT 11:52 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات تصدر قانون جديد للمصرف المركزي والأنشطة المالية

GMT 18:34 2018 الخميس ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سُلطات مليلية تبحث عن عائلة طفل قاصر مُصاب بمرض خطير

GMT 16:40 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جزيرة "أرواد" السورية تكشف نظرية جديدة بشأن سفينة نوح
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib