لا أزمة حكومية في المغرب

لا أزمة حكومية في المغرب

المغرب اليوم -

لا أزمة حكومية في المغرب

محمد الأشهب


تغلب منسوب الإيحاء في التعديل الذي طاول حكومة رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران على طابعه الجزئي المحدود. فهو إن كان بلا تأثير على استمرار التحالف الحكومي الحالي الذي يضم أربعة أحزاب بقيادة إسلاميي «العدالة والتنمية»، فإن تداعياته السياسية تحيل على دوافعه وخلفياته. أقله أن استقالة وزيرين لا بد أن يكون لها ما يبررها سياسياً، وإن ارتبطت بمسألة أخلاقية تتباين النظرة حولها.
في سابقة استقالة وزراء حزب الاستقلال الذي اختار العودة إلى المعارضة، أنها ركنت إلى انتقادات حزبية ضد أداء الحكومة، ما يبرر اللجوء إليها، بعد تعثر خطوات الانسجام، أي أنها استندت إلى رؤية مغايرة من وجهة نظر حزب الاستقلال إلى أسلوب تدبير الشأن العام. وإن لم تكن خالية من بواعث حزبية في ضوء تولي الزعيم النقابي حميد شباط قيادة أعرق حزب في البلاد. لكن رئيس الحكومة تمكن من تطويق الأزمة وانفتح على غريمه السابق تجمع الأحرار لتأمين غالبية نيابية تسعفه في إكمال ولايته، ما لم تحدث مفاجآت اللحظة الأخيرة.
هذه المرة، لم يكن لرحيل أربعة وزراء عن الحكومة التأثير نفسه. اثنان منها يحسبان على «العدالة والتنمية» والآخران على «الحركة الشعبية» ذات الهوية الأمازيغية. إلا أن بن كيران نحا في اتجاه التقليل من مضاعفة اهتزاز حكومته. ووصف استقالة وزيرين من حزبه أنها «رحمة»، مؤكداً أن ليس كل استقالة لها مبررات، ولكن الضغط الإعلامي و «أموراً أخرى» فرضت عليهما الاستقالة، في إشارة إلى تحويل رغبة في الزواج إلى قضية رأي عام، تلقفتها منابر دولية وازنة بعلاقة مع إقرار المغرب مدونة الأسرة التي تشدد في ظروف تعدد الزيجات.
بصيغة أخرى، فالاستقالة أو الإعفاء من المهام الحكومية وإن اختلفت بين وزير وآخر، أبانت عن التأثير المتنامي للرأي العام في توجيه الأحداث، أكان من خلال نقل ما هو شخصي إلى العام، أو في نطاق اندلاع فضائح تجاوزات في التدبير، كما حدث بالنسبة الى وزير الشباب والرياضة. ومن الواضح بهذا المعنى أن ارتباط المسؤولية بالمساءلة يتجاوز رقابة المؤسسة الاشتراعية نحو تأثير الرأي العام الذي باتت له ردود أفعال قوية، لم يعد في الإمكان الاستهانة بها.
إن لم يكن من حسنات لما يعرف بحراك الربيع العربي سوى وضع ممارسة المسؤولية أمام رقابة الرأي العام، فإن ذلك يعكس تطوراً إيجابياً، ولم يفت رئيس الحكومة المغربية أن يقر بأنه فكر مرات عدة في تقديم استقالته، ارتباطاً بوقوع حوادث سير مفجعة ذهبت بأرواح أبرياء كان من بينهم أطفال. ولا زال على أدراج مكتبه مشروع قرار يهم آليات تقديم العرائض والاحتجاجات من طرف المواطنين، إذ ينظر إلى هذه الخطوة أنها ستترجم دلالات المشاركة المفتوحة في الحياة السياسية، ليس عبر ممارسة الاقتراع فقط، وإنما عبر المساءلة التي ستصبح مفتوحة في وجه المواطنين.
لا أزمة حكومية في المغرب، بالنظر إلى استمرار التوازن القائم بين الغالبية والمعارضة، لكن هناك شيئاً أقرب إلى «أزمة ضمير» كانت وراء استقالة وزيرين على الأقل، في مقابل تمسك رئيس الحكومة بعدم المغالاة في توصيف حالة طارئة، لا تهم التدبير السياسي. وإنما ترتيبات شبه خاصة.
بين أن تكون هذه الحالة النادرة في الاستقالات الحكومية أسقطت الخطاب الأخلاقي، أو دفعت في اتجاه تقويته من خلال إبعاد كل ما يستشف أنه إخلال، يبدو الاتفاق بشأن إبعاد الممارسات السياسية عن الاستخدام الديني والأخلاقي في جانب الموعظة والإرشاد أكثر وجاهة. فقد تنبه حزب «العدالة والتنمية» إلى المطبات التي يجلبها احتسابه على تيارات إسلامية، وأعلن بوضوح أنه «حزب سياسي» ذو مرجعية إسلامية، وليس حزباً إسلامياً بمرجعية سياسية. وقد يكون انساق وراء تحقيق الانسجام بين طروحاته وممارساته، من خلال تلقيه بصدر رحب إقالة وزيرين من الحكومة.
المسألة ذات منحى سياسي، وإن توقف التعديل عند جزئيات لن تغير كثيراً في مسار التجربة السياسية الراهنة، ولعله وجد في إقالة وزيرين من غير المنتسبين إليه بخلفيات تجاوزات، ما يبرر مجاراته الضغوط الناشئة. كونها تأتي والبلاد على مشارف استحقاقات انتخابية، لا تسلم من استخدام شتى الوسائل المشروعة وحتى غير المباحة في استمالة الناخبين. وبين الحرب على الفساد والتزام أخلاقيات تصون الأداء الحكومي، تكون المعركة مفتوحة على الاحتمالات كافة. ولن يضير «العدالة التنمية» في نهاية المطاف أنه خسر حقيبتين قابلتين للتعويض، فبعض الرياح عصفت بتجارب سياسية برمتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا أزمة حكومية في المغرب لا أزمة حكومية في المغرب



GMT 12:24 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

«هزيمة» أم «تراجع»؟

GMT 12:23 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

الأردن في مواجهة إوهام إيران والإخوان

GMT 12:22 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

رجل لا يتعب من القتل

GMT 12:21 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

عصر الترمبية

GMT 12:18 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

السعودية وهندسة تبريد المنطقة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

قراءة لمسار التفاوض بين واشنطن وطهران

GMT 12:16 2025 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

على رُقعة الشطرنج

تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 08:42 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

لبعوض يقض مضاجع ساكنة مدن مغربية

GMT 22:51 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية مولدافيا

GMT 15:54 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

الشلقاني تفوز بعضوية المكتب التنفيذي لاتحاد البحر المتوسط

GMT 08:48 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إعصار "مايكل" يسبب خسائر كبيرة في قاعدة "تيندال" الجوية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib