ماذا عن تضارب المصالح

ماذا عن تضارب المصالح؟

المغرب اليوم -

ماذا عن تضارب المصالح

بقلم - عبد العالي حامي الدين

حينما نبه الفصل 36 من الدستور إلى أن «القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح»، فمعنى ذلك أنه كان يريد تحصين المنافسة الاقتصادية من أي أفضلية لبعض مراكز النفوذ التي يمكن أن تستغل موقعها وقربها من المعلومة لتحقيق امتيازات غير خاضعة للمنافسة الشريفة، بل إن الفقرة الأخيرة من الفصل نفسه كانت واضحة في التشديد على أن «القانون يعاقب على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية».

هذا هو المنطوق الدستوري الصريح الذي كان من ثمار مطالب الدينامية الاحتجاجية لـ20 فبراير، والتي طالب فيها المتظاهرون بفصل المال عن السياسة وتوضيح العلاقة بين مجال السلطة ومجال الاقتصاد.

أما الواقع فهو يعج بالكثير من المفارقات التي تؤكد أن تجريم تضارب المصالح، هو مقتضى دستوري معزول عن منطق الواقع، الذي يكشف كل يوم على وقائع جديدة لاستغلال بعض المسؤولين لمواقعهم الإدارية لخدمة مصالح اقتصادية غير مشروعة.  والحقيقة أن هذه المفارقات ما هي سوى انعكاس لأزمة بنيوية عميقة، من الصعب معها تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بتجريم تضارب المصالح..  لا بد من الاعتراف بأن الأسباب العميقة لإشكالية تضارب المصالح مرتبطة بدرجة أساسية بنموذج سياسي قائم، جرى التعايش معه منذ بناء دولة ما بعد الاحتلال، وهو نموذج فيه الكثير من «التسامح» و»التساهل» و»التغاضي» عن ظاهرة الجمع بين المصالح المتعارضة، بل تم العمل على مأسسة هذا التضارب في الثقافة السياسية القائمة، وانتقل هذا «التسامح» إلى القوانين التي امتنعت عن التنصيص عن أي جزاءات ردعية بالنسبة إلى حالات تضارب المصالح التي يمكن أن يقع فيها مسؤول عمومي، بما فيها قوانين ما بعد دستور فاتح يوليوز، مثل وضعية أعضاء الحكومة التي نصت المادة 33 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها على ضرورة «أن يتوقف أعضاء الحكومة طوال مدة مزاولة مهامهم عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص..»، دون أن ترتب أي جزاءات ملموسة في حالة المخالفة..

وبغض النظر عن هذه الملاحظة الشكلية، فإن طرق الالتفاف عن هذا النص تظل قائمة والأمثلة على ذلك من الحياة العمومية تحيط بِنَا بشكل فظيع، بل إن عددا من المسؤولين لا يجدون أي حرج في الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية الخاصة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا يترددون في التصرف كجماعات ضاغطة على صانع القرار وليس كمسؤولين عموميين، وكثيرا ما عاشت قبة البرلمان الكثير من النقاشات والسجالات السياسية التي تخفي وراءها صراع مصالح مالية، لا علاقة له بخدمة المصالح العامة للمواطنين.

إن إشكالية تنازع المصالح لا يمكن فصلها على النموذج السياسي المتبع، فهي نتيجة طبيعية لنموذج سياسي في الحكم افتقر إلى الكثير من قواعد الحكامة الجيدة، وسمح بالتداخل بين النخب الحاكمة وبين عالم المال والأعمال في إطار شكلي لليبرالية الاقتصادية، وبالاعتماد على شركاء اقتصاديين تقليديين يراعون مصالحهم بالدرجة الأولى، ويعملون على بسط أدواتهم التحكمية على عالم المال والأعمال.

في ظل هذا الوضع تمت الإساءة للاقتصاد وللسياسة معا، فلا الاقتصاد أمكن له أن يتطور في بيئة تنعدم فيها شروط الحرية والمنافسة الاقتصادية، ولا السياسة يمكن لها أن تتطور بسبب هيمنة المال على الشأن السياسي وتزايد أدواره القذرة في شراء ذمم العديد من السياسيين..

رحم الله عبدالرحمان بن خلدون الذي حذرنا قديما من الجاه المفيد للمال

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا عن تضارب المصالح ماذا عن تضارب المصالح



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:02 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق أميركي إسرائيلي يمنح حماس مهلة شهرين لتفكيك سلاحها
المغرب اليوم - اتفاق أميركي إسرائيلي يمنح حماس مهلة شهرين لتفكيك سلاحها

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية
المغرب اليوم - اعتقال 21 شخصا على صلة بالنظام السابق في اللاذقية السورية

GMT 15:05 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري
المغرب اليوم - الاعتراف رسميًا بنوع خامس جديد من مرض السكري

GMT 13:59 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

انستغرام يطلق تطبيق Reels مخصص للتليفزيون لأول مرة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 15:51 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

التعليم عن بعد في مؤسسة في سطات بسبب انتشار "كورونا"

GMT 00:41 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

Ralph&Russo Coutureِ Fall/Winter 2016-2017

GMT 01:36 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نورتون يعرض منزله المميّز المكوّن من 6 غرف نوم للبيع

GMT 15:06 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تألق كيني ومغربي في نصف ماراثون العيون

GMT 00:29 2025 الجمعة ,08 آب / أغسطس

توقعات الأبراج اليوم الجمعة 08 أغسطس/آب 2025

GMT 18:23 2022 الإثنين ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق محمد الريفي يفجرها"هذا الشخص وراء تدهور صحة أخي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib