بين الإمارة والتجارة

بين الإمارة والتجارة

المغرب اليوم -

بين الإمارة والتجارة

عبد العالي حامي الدين

على عكس ما ذهبت إليه بعض التحليلات فإن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بسير عمل الحكومة الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب، ولازال في طور المناقشة العامة داخل لجنة العدل والتشريع، تضمن تنصيصا صريحا على عدم جواز الجمع بين منصب حكومي وإدارة نشاط تجاري.. وهكذا تنص المادة 33 من مشروع القانون المذكورعلى ما يلي: "يتعين على أعضاء الحكومة أن يوقفوا طوال مدة مزاولة مهامهم كل نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولاسيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الربح ، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس مال وتسيير القيم المنقولة". هذه المادة تؤسس لممارسة سياسية تعتبر من أهم مقومات النظام الديموقراطي وهي عدم الجمع بين السلطة والتجارة، والحرص على تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين داخل السوق الذي ينبغي أن يحكمه قانون واحد هو قانون المنافسة على قاعدة المساواة. عدم الجمع بين منصب حكومي ومزاولة نشاط تجاري يروم تحقيق هدفين اثنين: الأول منع استغلال المنصب لخدمة أغراض الإثراء غير المشروع وتحقيق الربح السريع، والثاني هو توفير شروط المنافسة داخل الأسواق الاقتصادية بعيدا عن تعسف السلطة وأدواتها.. إن التاريخ الاقتصادي الفتي للمغرب يبين أن تكوين الثروة لم ينفصل قط عن رعاية السياسة و السلطة. فلن ينكر أحد أن الثروات المغربية الأولى تكونت مع سياسات عمومية بعينها و استفاد منها المحظوظون المقربون من واضعي هذه السياسات أنفسهم، فموجة الأغنياء التي تشكلت مع المغربة، و استرجاع الأراضي الفلاحية، والاستفادة من القروض الضخمة في قطاعات الصناعة و الفلاحة والصيد في أعالي البحار و العقار و السياحة ، التي مولت من طرف مؤسسات مالية كانت أبقاراً حلوبة في الماضي ، مثل البنك الوطني للإنماء الاقتصادي و القرض الفلاحي و صندوق الضمان المركزي و القرض العقاري و السياحي، كلها فرص استفاد منها إما أصحاب سلطة ونفوذ أو متحالفون معهم أو ترعرعوا تحت مظلاتهم. أما الآن فهناك موجة من الأغنياء الجدد تشكلت و مازالت تترعرع عن طريق الاستحواذ على آلاف الهكتارات من العقارات العمومية بأثمنة بخسة و تراخيص إدارية سخية تهلك الحرث و النسل، مقابل التزامات يتم التنصل منها و تحريفها مباشرة بعد توقيعها، و هناك أيضاً موجة أخرى من الأغنياء تشكلت عن طريق المضاربات في سوق الرساميل مستفيدين في ذلك إما من قربهم من مراكز السلطة أومعولين على غض طرفها عن ممارساتهم المخالفة لقواعد السوق و التي لا تترك مجالاً لمنافستهم على أسس شفافة.  إن أحد أسباب إحجام بعض المستثمرين الأجانب عن اقتحام السوق المغربية، راجع لكونهم أصبحوا مقتنعين بضرورة التوفر على مظلة سياسية تقوم بتأمين لنشاطهم الاقتصادي.  إنه تأمين سلطوي يخضع لدرجة القرب أو البعد من السلطة، وليس محكوما بقواعد التأمين التجاري المتعارف عليه.. ولذلك فإن سن قانون يمنع الجمع بين مزاولة السلطة وممارسة التجارة يعتبر خطوة هامة في الطريق الصحيح، من أجل تخليق العلاقة بين مجالي السلطة والتجارة، بين مجال الإشراف على تدبير الشأن العام وبين مجال تجميع الثروة واستثمارها.. هذا النص على أهميته، هل هو قادر على تحصين مسالك التجارة من تغول السلطة وتعسفاتها؟ لا أعتقد ذلك.. وذلك لسببين : الأول لابد من بذل مجهود تشريعي لتدقيق هذا النص حتى يستوعب الإشكاليات الدقيقة التي يعاني منها رجل الأعمال في مواجهة رجل السلطة الذي يستقوي بمنصبه السياسي داخل السوق، وثانيا لابد من توسيع مفهوم السلطة ليستوعب كل من يملك السلطة في المغرب وليس فقط أعضاء الحكومة..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الإمارة والتجارة بين الإمارة والتجارة



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 16:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بورصة مسقط تتراجع 16.3 نقطة وتغلق عند 4273.44 نقطة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib