حوار المجتمع المدني

حوار المجتمع المدني

المغرب اليوم -

حوار المجتمع المدني

عبد العالي حامي الدين

ثلاثة مرتكزات أساسية أطرت الخلاصات الأولية للحوار الوطني حول المجتمع المدني:  أولا، أحكام الدستور المتعلقة بالديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني، وهي أحكام متقدمة بالمقارنة بعدد كبير من الدساتير الحديثة. ثانيا، القوة الاقتراحية للمجتمع المدني المنبثقة عن اللقاءات الجهوية واللقاءات الإقليمية، وجلسات الإنصات والمذكرات التي شاركت بها الجمعيات من داخل المغرب ومن خارجه، وقد أبانت عن مدى غنى وتطور ونضج الفاعل المدني وقدرته على التفاعل مع المحطات التاريخية الكبرى بطريقة صحيحة، بالإضافة إلى أفكار ومقترحات العديد من المؤسسات الوطنية والمؤسسات العمومية التي أسهمت بمقترحات غنية لتطوير الفعل المدني ببلادنا. ثالثا، التشريع المقارن والممارسات الفضلى المتعارف عليها دوليا، وكذا بعض التجارب الأجنبية الناجحة. المنهجية التي جرى اعتمادها في إدارة هذا الحوار تستحق حيزا أكبر من هذا المقال، لكن يمكن القول بتركيز شديد إنها استندت بشكل أساس إلى قواعد الاستشارة العمومية كما هي متعارف عليها في التجارب الناجحة، وقد كانت السيدة Anne Marie Chavanon، ممثلة مجلس أوربا في المناظرة الختامية للحوار، على حق عندما وجهت نداء للاستفادة من التجربة المغربية في مجال إدارة الاستشارة العمومية، معتبرة إياها تجربة نموذجية. لنعد إلى أهم رسائل الحوار، يمكن القول إن المغرب سيدخل إلى طور جديد في مسار التحول الديمقراطي، قائم على تعزيز مكانة المجتمع المدني في صناعة القرار من الناحية المؤسساتية، والاعتراف بمبادرته على المستوى التشريعي والرقابي والتشاوري، وعلى الجميع أن يتكيف بسرعة مع الاستحقاقات التي يفرضها هذا التحول. ذلك أن تفعيل المشاركة المدنية والديمقراطية التشاركية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية يمر عبر أطر قانونية ملزمة من قبيل القوانين الخاصة بالملتمسات والعرائض والتشاور العمومي، وهو ما يعني أن مسلسل إعداد السياسات العمومية يمر –بالضرورة- عبر المشاركة المدنية للمواطنين والمواطنات وفقا لأحكام الدستور. هذا التحول الكبير رهين بضخ جرعات جديدة على مستوى تعزيز علاقة التعاون والشراكة بين الدولة وبين النسيج الجمعوي للمجتمع المدني بمختلف أطيافه، وتفجير طاقته الإبداعية في مختلف المجالات، والتخلص التدريجي من إرادة التوظيف والوصاية. إن النهوض بالأدوار الدستورية الجديدة للمجتمع المدني رهين أيضا بضخ نزعة إرادية جديدة وسط العاملين والعاملات في الحقل المدني قوامها تحقيق الاستقلالية الحقيقية عن الفاعلين الآخرين، من دولة وأحزاب ونقابات وقطاع خاص ومراكز نفوذ. إن تعزيز أدوار المجتمع المدني لا يمكن إلا أن يعتمد على الرصيد الحضاري العريق للمغاربة، وعلى الخلفيات الثقافية لقيم التطوع والتضامن والتكافل الاجتماعي، بالإضافة إلى قيم حقوق الإنسان وما أعطته للفرد/المواطن من أدوار. إن اضطلاع المجتمع المدني بأدواره الجديدة ليس فيه إي إضعاف لمؤسسات الدولة، ولا ينتقص من قيمة الديمقراطية التمثيلية القائمة على الصوت الانتخابي، ذلك أن الفلسفة العميقة للديمقراطية التشاركية هي تعزيز قيمة المشاركة، وتحرير الفرد من الوصاية والتحكم، ومعالجة الاختلالات التي أبانت عنها المؤسسات المنتخبة، ومحدودية استيعابها لمختلف مسالك التشارك والمشاركة. إن تصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني يتوقف أيضا على تجاوز مجموعة من الإشكاليات، من قبيل ضعف احترام القانون في تأسيس الجمعيات، وضرورة تطوير كل ما يرتبط بالضبط العمومي للحياة الجمعوية في أفق المزيد من الحرية، كل ذلك يمر عبر معالجة إشكالية الديمقراطية الداخلية للجمعيات، وملاءمة ممارساتها الإدارية والمالية لقواعد الشفافية والمراقبة والمحاسبة...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار المجتمع المدني حوار المجتمع المدني



GMT 23:14 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ذاكرة الرجل الصامت

GMT 23:12 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إسرائيل... لماذا تفوَّقت في لبنان وليس في اليمن؟

GMT 23:10 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

مشهد الشرق الجديد... من يرسمه؟

GMT 23:07 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

سبب آخر للاستقالة

GMT 23:05 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

البديل الحوثي للبنان...

GMT 23:04 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

التجويع بهدف التركيع

GMT 23:02 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

إلى متى ستعيش إسرائيل في رعب وتوجُّس؟

GMT 23:00 2025 الأربعاء ,04 حزيران / يونيو

ماذا لو رد «الجميل» السلام؟!

أمينة خليل تتألق بفستان زفاف ملكي يعكس أنوثة ناعمة وأناقة خالدة

القاهرة - سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 16:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بورصة مسقط تتراجع 16.3 نقطة وتغلق عند 4273.44 نقطة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib