معركة الإنسان ضد العنصرية

معركة الإنسان ضد العنصرية

المغرب اليوم -

معركة الإنسان ضد العنصرية

بقلم -عبد الرحمن الراشد

أصعب امتحان للإنسان المتحضر هو التعايش مع بني جنسه. حتى بعد قرون من نشر المفاهيم السامية لا يزال في داخله عنصرية ظالمة. لم يفلح العلم، والتطور، والتدين، والقوانين في التخلص من النوازع الشريرة عند البشر، التي قد تفوق همجية الحيوانات. ولم تتفوق، أيضاً، المجتمعات المتطورة الغنية على المجتمعات البسيطة في التخلص من هذه الأمراض الاجتماعية المزمنة حتى يومنا هذا.
جريمة الشرطي الأبيض، ديريك شوفين، الذي خنق الأميركي الأسود، جورج فلويد، لن تكون الأخيرة. وسواء كانت دوافعها عنصرية أم مجرد بلطجة رجل منحه القانون سلطة كبيرة في المجتمع، فإنها استمرار للمرض الاجتماعي القديم، العنصرية البغيضة.
تكرار الشجب والاستنكار، والتنفيس عن الغضب الأعمى، الذي طال المرافق العامة وانخرط فيه الحانقون مع اللصوص والسياسيين الانتهازيين، لا يطفئ الشعور بالظلم وعدم المساواة. الحرق والفوضى لن يعيدا الحياة للقتيل، ولن يردعا المخطئين أو الداعمين لهم. ستُنسى الحادثة كما نسيت الحوادث السابقة، إلى أن يظهر فيديو جديد في وقت لاحق، ويعود المحتجون والاحتجاجات والحرائق، لكن لا شيء يتغير في حياة الناس.
بدون فوضى، النظام الأميركي يتيح لهم أن «ينتقموا» بما هو أعظم تأثيراً من حرق بضع سيارات ومبانٍ، ونهب بعض المحلات. بعد ستة أشهر فقط بمقدورهم أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع والتعبير عن غضبهم، حيث توضع كل المناصب ذات العلاقة للانتخاب، من الرئيس إلى حاكم الولاية، ورئيس البلدية، وفي بعض الولايات ينتخب مدير الشرطة أيضاً. السود الأميركيون، الأميركيون من أصول أفريقية، يملكون قوة سياسية لكنها غير مفعلة، هناك نحو 40 مليون نسمة يقدرون على تغليب أو هزيمة أي مرشح للرئاسة أو المجالس التشريعية.
الولايات المتحدة دولة مختلفة عن معظم دول العالم، ستجد فيها ما يثير الإعجاب والتقدير، وكذلك ما يثير الغضب والاستنكار. على أرضها يقوم أكبر تآلف بشري، أقوام من أعراق وإثنيات وأديان، لا مثيل لها في التنوع والتعدد. صحيح أن في الصين 55 فئة إثنية لكن المهيمنة واحدة، إذ ينتسب لها أكثر من 90 في المائة من السكان، والبقية أقليات ضئيلة. وتجربة شعب متجانس تختلف عن شعب مقسم إلى فئات متعددة متنافسة مثل الشعب الأميركي. العبودية التي استغلت الأفارقة، كانت في أساسها لأهداف اقتصادية في الولايات الزراعية كأيدٍ عاملة مملوكة، وتم تشريع الرق بالقوانين المدنية التي أنزلت هذا الإنسان إلى مستوى الحيوانات. وهي ليست خطيئة الأميركيين وحدهم، ولا الغرب بشكل عام، بل كانت ضمن ممارسات وصراعات البشر على الأرض والموارد والنفوذ. تنازعات تستعبد الناس باسم الدين والعرق والذكورية والطبقية والقبلية، هذه حال العالم كله لحقبة طويلة من تاريخ البشر.
القوانين الأميركية مع العنصرية، قصة 230 عاماً، قصة طويلة من المعاناة والرفض حتى نجحت في التحول من تشريعات تحمي العنصرية وسلب الإنسان من أبسط حقوقه وكرامته إلى قوانين عادلة، ولم تكن رحلة التغيير مفروشة بالورود بل بالدم والتضحيات حتى صارت اليوم الحصن ضد العنصرية والتمييز بشكل عام لكل فئات المجتمع.
الذي لا تستطيع القوانين التحكم فيه هو الأهواء والنوازع الشريرة، معركة الإنسان الفاضل في كل مكان ومنذ أمد طويل. فالعنصرية ليست حصراً ببعض البيض في الولايات المتحدة بل في كل مكان في العالم، وليست العنصرية ضد السود والأفارقة إنما التمييز البغيض ثقافة موجودة ضد الأعراق، والأديان، والطوائف، والنساء، وغيرهم من الفئات التي ينظر إليها بدونية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة الإنسان ضد العنصرية معركة الإنسان ضد العنصرية



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib