واشنطن من الرهان على «الإخوان» إلى شيطنتهم

واشنطن: من الرهان على «الإخوان» إلى شيطنتهم

المغرب اليوم -

واشنطن من الرهان على «الإخوان» إلى شيطنتهم

عريب الرنتاوي

أغلبية سبعة عشر صوتاَ ضد عشرة أصوات، أقرت اللجنة القضائية في الكونغرس الأمريكي الأربعاء الفائت، مشروع قانون يقضي بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على اللوائح الأمريكية للمنظمات الإرهابية، وإلزام الخارجية الأمريكية بتحديد موقفها خلال شهرين اثنين، قبل أن يصار إلى عرضه على مجلسي الشيوخ والنواب، توطئة لرفعه إلى الرئيس الأمريكي للمصادقة عليه. في شرح الأسباب الموجبة للقانون، جرى ربط الجماعة بـ “الجهاد العالمي”، والتحذير من أجندتها الرامية إلى تدمير الحضارة الغربية (الفاسدة) وتقويضها من داخلها وعلى أيدي المؤمنين، وفرض نظام حكم إسلامي في الدول التي تتولى السلطة فيها، وبما يهدد أمن الولايات المتحدة القومي، ويطال نمط الحياة الأمريكية، مثلما يمس بأمن الدول والحكومات الحليفة لواشنطن.
ومع إقرار اللجنة لمشروع القانون، تحولت جماعة الإخوان، إلى مادة خصبة للتراشق الإعلامي في موسم الانتخابات الرئاسية، فقد انبرى “شيوخٌ جمهوريون” لاتهام المرشحة الأبرز للحزب الديمقراطي المنافس، هيلاري كلينتون، بأنها تواطأت مع الإخوان على حكم مصر، مع أنها تعرف أن أجندتهم الداخلية، هي تحويل مصر إلى “جمهورية إسلامية”، وهو ما نفته المرشحة الرئاسية، ليتولى زعماء جمهوريون كثر، مهمة الرد عليها، واتهامها بالتواطؤ مع الجماعة، سيما وأن قرار اللجنة والحملة على الإخوان، تزامنا مع نشر كثير من الرسائل الهامة على “البريد الشخصي” للمرشحة وزوجها الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، بيل كلينتون، ومن ضمن الوثائق والمراسلات المنشورة، تقارير وشهادات ومعلومات، لا تخدم أبداً، موقف الوزيرة الأسبق للخارجية الأمريكية. 
ما الذي أحدث هذه النقلة في الموقف الأمريكي؟ ... وكيف انتقلت واشنطن من سياسة “الرهان” على الإخوان في سنوات الربيع العربي الأولى، إلى سياسة “الشيطنة” التي تضعهم في سلة واحدة مع “داعش” و”النصرة” ... لا شك أنها صدمة كبرى للجماعة، تأتيها من حيث لا تحتسب، سيما بعد أن أرسلت ما يكفي من رسائل الطمأنينة لواشنطن، قبل وفي سياق الربيع العربي، سواء لجهة اعتماد نظام السوق الرأسمالي الحر، أو لجهة الحفاظ على إرث كامب ديفيد والتزاماته، وربما ما هو أبعد من ذلك. 
وأحسب أن جملة من العوامل، تضافرت سويةً، لإحداث “الانقلاب” في الموقف الأمريكي ... أولها وأهمها، السلوك غير الرشيد الذي سلكته الجماعة بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013، حيث انخرطت الجماعة في ممارسات عنفية، واستنكفت عن تمييز نفسها عن “السلفية الجهادية”، ولزمت جانب الصمت على عمليات الجماعات الإرهابية الإجرامية في مصر، وتهددت وتوعدت بالويل والثبور وعظائم الأمور، للعهد الجديد، بكل رموزه ومؤسساته، الأمر الذي جعل التمييز بين الجماعة الإخوانية والجماعات الإرهابية، مهمة صعبة على كثير من المراقبين والمحللين. 
في المقابل، نجح  السيسي في استعادة وتطبيع علاقاته مع الغرب، وأنشأ علاقات عمل وتنسيق وتعاون متطورة مع إسرائيل، وتموضع في الخندق المعادي للإرهاب في الإقليم، وبالأخص في مصر والجوار الليبي، وهذه المسائل لها أولوية كبرى في التفكير السياسي والاستراتيجي الأمريكي، المحافظ بخاصة. ثاني هذه الأسباب، ويتعلق بالنجاحات التي حققتها جماعات الضغط التي تمثل حلفاء واشنطن من “عرب الاعتدال”، وتحديداً من دول الخليج، التي عملت كل ما بوسعها لـ “شيطنة” الجماعة وإدراجها في قوائم الإرهاب، وهذه النجاحات لم تقتصر على الولايات المتحدة وحدها، بل شملت دولاً عديدة، بدءاً من بريطانيا (تقرير السير جون جنكينز) الذي وضع الجماعة على مسافة سطر واحد، من قائمة الإرهاب البريطانية، وأخضع مؤسساتها ورموزها لفحص متكرر وعين مفتوحة على الدوام ... وانتهاء بماليزيا. 
ثالث هذه العوامل، ويتعلق بإخفاق الجماعة في استيعاب دروس الربيع العربي، وتجربة حكمهم القصيرة على أية حال، واستنكاف رموزها القيادية عن إجراء أية مراجعات ذات مغزى، الأمر الذي أفضى إلى تناسل الانشقاقات في معظم فروع الجماعة، وفي التنظيم الأم، حول عناوين تبدو بأمس الحاجة، لإعادة مقاربتها من منظور الحداثة ولغة العصر وقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، الأمر الذي ترك بعض قواعد الإخوان ومؤيديهم، نهباً للتجنيد من قبل جماعات إرهابية، ولقد شهدنا على بداية “موسم هجرة من الإخوان إلى السلفية الجهادية” في غير ساحة عربية. 
رابع هذه العوامل، ويتعلق بزمن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث يبحث كل فريق عن أية “ثغرة” أو “زلّة” لدى الفريق الآخر، لينفذ من خلالها إلى جمهوره ومؤيديه، ولقد وجد الجمهوريون في بريد كلينتون من جهة والتقارير المتتالية عن سلوك الجماعة غير الرشيد منذ الإطاحة بحكم الدكتور محمد مرسي، ضالتهم للانقضاض على الديمقراطيين، وإظهارهم بمظهر المفرّط والمتراخي في التعامل مع ظاهرة التطرف العنيف والإرهاب.
هذه العوامل، وأخرى غيرها، تفسر إلى حد كبير، الانعطافة في الموقف الأمريكي من الجماعة، بيد أنها لا تسمح بالتسرع في إطلاق الاستنتاجات الكبرى، فالطريق لإدراج الجماعة في القائمة السوداء، ما زال طويلاً، بل وربما يكون طويلاً جداً، والولايات المتحدة التي لم تحرق سفنها مع حركة “طالبان”، وقبلت الجلوس إلى جانب قيادات “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” على مائدة المفاوضات في جنيف، ليست بوارد التسرع بالقطع والقطيعة مع الجماعة ... ثم أن واشنطن، لديها في بعض ساحات الاشتباك مع “محور الشر”، تحالفات غير مخفية مع فروع الجماعة، فهي تدعم الحرب في اليمن، من خندق الرئيس عبد ربه منصور هادي والتجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، وفي سوريا، يجلس الموفدون الأمريكيون على الموائد ذاتها، التي يتحلق حولها ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين، والصلات مع الجماعة لم تنقطع، وقد تنقطع قريباً، وربما لا تنقطع أبداً. 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن من الرهان على «الإخوان» إلى شيطنتهم واشنطن من الرهان على «الإخوان» إلى شيطنتهم



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:39 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:31 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً
المغرب اليوم - اليونيفيل تطالب إسرائيل بوقف الهجمات على لبنان فوراً

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib