طوني بلير أو «الحكمة بأثر رجعي»

طوني بلير أو «الحكمة بأثر رجعي»

المغرب اليوم -

طوني بلير أو «الحكمة بأثر رجعي»

بقلم ـ عريب الرنتاوي

يعترف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، أول موفد الرباعية الدولية للشرق الأوسط، بأن قرار الغرب مقاطعة حماس إثر فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، كان خطأ، أوجبته الضغوط (اقرأ الابتزاز) الإسرائيلي في حينه، لكن طوني بلير، كعادة غيره من كبار المسؤوليين الأمريكيين والأوروبيين، يستمرؤون التدثر بلبوس «الحكمة» بعد «خراب البصرة»، وبعد مضي سنوات طويلة على ترك المنصب العام، وبعد أن تفقد «حكمتهم المفاجئة» وظيفتها السياسية، وتتحول إلى نص تاريخي لا أكثر ولا أقل.
لا شك أن الابتزاز الإسرائيلي للغرب، لعب دوراً مهماً في تشكيل قراره من حماس، وصياغة شروطه الثلاثة المجحفة (التي ما زالت سارية المفعول بالمناسبة) لقبولها في العملية السياسية والمنتظم الدولي ... لكن ثمة أسبابا أخرى، أكثر أهمية، لعل أهمها الموقف الغربي – عموماً - المناهض تقليدياً لتطلعات الشعب الفلسطيني للحرية والاستقلال، وانحيازه المبالغ فيه، وغير المفهوم، لمصالح إسرائيل وحسابات نظريتها للأمن القومي ... طوني بلير، كما غيره من المسؤوليين الدوليين، لم يكن بحاجة لبذل جهد أكبر لمقاومة الضغط الإسرائيلي، فجاهزيته عالية جداً للتساوق مع مطالب إسرائيل، وأحياناً «المزايدة» عليها.
أذكر في تلك الأيام، بعد الانتخابات التشريعية، حواراً دار بيني وبين أحد رؤوساء  الديوان الملكي الأسبقين، يومها تنبأ الرجل بسقوط حكم حماس في غزة خلال ستة أشهر على أبعد تقدير، أجبت بأنك لا تدرك كفاية على ما يبدو، مغزى وصول حركة إسلامية، وقلت إن حماس ستبقى في السلطة ست سنوات وليس ستة أشهر، يبدو أنني كنت شديد التشاؤم بمستقبل حماس على رأس السلطة، فالمدة الزمنية التي قضتها حماس في الحكم، تكاد تكون ضعف ما توقعت وتنبأت به.
وأذكر أنني قلت أيضاً: إن كل باب يغلق في وجه حماس في عمان والقاهرة والرياض، ستفتح مقابله عشرة أبواب في دمشق وطهران والضاحية الجنوبية، وهذا ما حصل على أية حال، قبل أن تشرع الحركة في رحلة القفز من فوق خطوط المحاور والتحالفات، وتتنقل بخفة ظاهرة بين واحدها والآخر ... حماس ظلت في السلطة، طار طوني بلير، ، وثبت بالملموس ان هذه الرهانات لم تكن في موقعها أبداً، وأن السهام طاشت والحسابات جانبها الصواب.
يومها، توقعنا أن يكون تفاؤل بعض الأطراف العربية والدولية بقرب رحيل حماس، عائدا إلى ما يجري إعداده من مشاريع انقلابية وسياسات عزل وحصار ...وكان واضحا أن ثمة نادٍ أمني عربي، برعاية أمريكية، ومشاركة من محمد الدحلان، قد أنجز كافة واجباته المنزلية، وقرر قيادة عملية الاطاحة المنظمة بالحركة وحكومتها ونتائج الانتخابات التشريعية ... ما كان محصوراً في إطار التوقعات والتكهنات بالأمس، أصبح اليوم، مرتكزاً إلى سلسلة من البيانات والمعلومات التي صدرت عن حماس مبكراً، وعن السلطة في سنوات لاحقة، والتي قطعت الشك باليقين،بان الرجل كان على صلة وثيقة بمساعي قلب حكومة حماس والانقلاب عليها.
نجحت حماس في أن «تتغدى بالقوم قبل أن يتعشوا بها»، ووقع ما وقع، وبقية القصة معروفة... أما اليوم، فنرى إيقاعاً مختلفاً بعض الشيء، مرتبطا من جهة ، بما يجري إعداده والتحضير له من قبل عواصم إقليمية ودولية، على وقع الحديث المتزايد عن ترامب و»صفقة القرن»... ويهدف من جهة ثانية، إلى توظيف أزمة حماس في قطاع غزة ومعه، من أجل إعادة انتاج تشكيل الحركة وصياغتها، لتصبح صورة مزيدة ومنقحة، عن حركة فتح، مع فارق جوهري أن الأخيرة تتوفر على قسط من الحيوية باتت تفتقر إليها الحركة/ العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية.
لا قيمة سياسية لتصريحات بلير، بيد أنها تنفع في حملة العلاقات العامة التي يمكن للحركة الفلسطينية أن تطلقها وتنطلق بها، سيما إن تحرك مسار الحوار الفلسطيني على الطريق القويم، إذ ما أن حطت خيول المصالحة الفلسطينية في غزة، حتى عدنا لنسمع المعزوفة ذاتها، ومن واشنطن وتل أبيب، حول شروط الرباعية، مضافاً إليها «نزع السلاح» و»يهودية الدولة»، وقد لا ننتظر طويلاً قبل أن يطلع علينا مسؤول غربي، سابق أيضاً، بالمعزوفة ذاتها، ولكن بعد خراب البصرة كذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طوني بلير أو «الحكمة بأثر رجعي» طوني بلير أو «الحكمة بأثر رجعي»



GMT 21:06 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 21:04 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 21:03 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«تامر يَجُرّ شَكَل عمرو!»

GMT 21:01 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

رياح يوليو 1952

GMT 20:59 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

لا يجوز في الساحل ولا يليق

GMT 20:58 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

الوزير الخائن دمر الفسطاط (1)

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حرب المساعدات

GMT 11:10 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 19:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib