عن الأكراد قبل أن يهدأ غبار المعارك

عن الأكراد... قبل أن يهدأ غبار المعارك

المغرب اليوم -

عن الأكراد قبل أن يهدأ غبار المعارك

بقلم - عريب الرنتاوي

أخطر ما يمكن أن يواجه سوريا في المرحلة المقبلة، ويلحق أفدح الضرر بأمنها واستقرارها وتماسك نسيجها الاجتماعي، هو أن تنظر «السلطة» لهم من منظار «المنتصر والمهزوم»، وان تسعى في فرض إملاءاتها عليهم من هذا الموقع، أو أن يجري التعامل معهم بوصفهم «الابن الضال» الذي عاد مرغماً إلى أحضان أمه وأبيه ... هذه وصفة للخراب، وبذرة لصراع مقيم.
الأكراد مكون سوري أصيل، حتى وإن جاء بعضهم من دول مجاورة، فقد قضت أجيال منهم في سوريا، ولا يعرفون وطناً لهم غيرها ... وهم أقلية قومية، تملي كافة القوانين والشرائع ومبادئ حقوق الانسان، أخذ حقوقهم الفردية «مواطنة متساوية»، والجمعية بنظر الاعتبار حين يشرع السوريون في صياغة دستور جديد لسوريا ... العودة إلى ما قبل 2011 لم تعد خياراً، وعلى عقل الدولة السورية أن يستوعب هذه الحقيقة، وأن يتصرف وفقاً لها.
نقول ذلك، ونحن نتابع فصول «التفاهمات» التي أبرمت على عجل، بين دمشق والقامشلي، بوساطة روسية – إيرانية، تقتصر على الجانب العسكري – الميداني المُلح والضاغط، في مواجهة الغزو التركي، ومن دون أن تشتمل على تفاهمات مماثلة حول مستقبل الكرد وإدارتهم الذاتية وأطرهم وهياكلهم وثقافتهم ولغتهم وطقوسهم إلى غير ما هنالك من جوانب سياسية وإدارية توسع الأكراد في تطويرها خلال السنوات الخمس الفائتة.
يجادل خصوم الكرد من السوريين والعرب، بالقول إنهم انفصاليون، بعض الكرد كذلك وليس جميعهم، لكن قبل إطلاق سهام الاتهامات الحادة، يتعين على أبناء هذه المدرسة في التفكير سؤال أنفسهم: ماذا فعلت «الشوفينية» القومية العربية بالكرد وغيرهم من الأقليات في المنطقة؟ ... هل شعر الكرد يوماً بأنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات؟ ... يكفي أن أذكّر بالكلمة العامية الدارجة «الاستكراد» بمعنى الاستعباد، حتى نختصر المشهد برمته، ولا نذهب بعيداً في الشرح والتحليل وإظهار الأدلة والبراهين على ما نقول.
يقولون إن الكرد مستعدون للتحالف مع الشيطانين، الأكبر والأصغر، من أجل نيل حقوقهم، أو حتى التطاول على حقوق إخوانهم في الوطن... هذا صحيح، وهي خطيئة وليست خطأً فحسب، ولطالما جادلنا أخوتنا الكرد السوريين والعراقيين في بؤس هذه المقاربة، سيما عندما يتصل بالرهان على الإسرائيلي ... ولكن، «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر»... ألم تتحول الاستعانة بالإسرائيلي والأمريكي و «كل شياطين الأرض»، إلى استراتيجية معتمدة من قبل دول وعواصم عربية كبرى قبل أن تتسلل إلى «حركات» وسياسيين و»مثقفين» عرب كثر؟ ... هذه المقاربة المتهافتة لا تبرر تلك، والأكراد – بعضهم وليس جميعهم – ملامون، وعليهم أن يدركوا جيداً أن «الأغلبية» عادة ما تغفر لنفسها وتجد لها العذر، بينما أخطاء الأقليات وذنوبها لا تغتفر، تلكم هي سنة الحياة والسياسة ولعبة «موازين القوى».
ويقال إنهم عنصريون، لن يتورعوا عن مقارفة سياسات تمييزية ضد العرب وغيرهم من الكيانات والمكونات، وأنهم قارفوا «تطهيراً عرقياً» في بعض مناطق سيطرتهم، وأن الحبل إن امتد لهم على الغارب، فسيعيثون فساداً في الأرض ... لا ننفي أن وقائع كهذا قد حصلت بالفعل، وأن بعض فصائلهم قد اعتمدت سياسة «تكريد» المناطق الخاضعة لسيطرتها ... ولكن علينا أن نتذكر باستمرار سياسات «التعريب القسري» التي اعتمدتها نظم وحكومات ديكتاتورية شمولية، كان هدفها الأول والأخير، محو الأثر الكردي من ذاكرة المنطقة وشعوبها، وأن وسائل بربرية قد اتبعت لتحقيق هذه الغاية.
خلاصة القول، لن نقضي مئة عام أخرى في «التلاوم» وحروب الاتهامات المتبادلة وانتهاز الفرص لتسوية الحسابات ... علينا أن نتعلم العيش المشترك عرباً وكرداً وأمازيغ وسريان وأشوريين وغيرهم، في دولة المواطنة المتساوية، التي تحفظ حقوق مواطنيها ومكوناتها، الفردية والجمعية ... علينا أن «ندستر» هذه الحقوق، وأن نجعل منها ثقافة مشتركة وأنماط حياة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الأكراد قبل أن يهدأ غبار المعارك عن الأكراد قبل أن يهدأ غبار المعارك



GMT 16:41 2025 الأحد ,20 إبريل / نيسان

فصح حزين على ما يجري للأمة وفلسطين

GMT 23:50 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

قادم أخطر على جماعة الإخوان

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

إلى محافظ القاهرة

GMT 15:25 2025 الجمعة ,14 آذار/ مارس

شبحان فرنسيان والرئيس ماكرون

نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 02:45 2020 الإثنين ,15 حزيران / يونيو

مدرب بكين جوان يوضح الوضع محبط وأكثر سوءا

GMT 03:34 2020 الأربعاء ,10 حزيران / يونيو

نصائح الخبراء لتفادي الشعور بالجوع والكسل

GMT 11:45 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

"مليحة العرب" تطرق أبواب الغناء بـ"غلطة كبيرة"

GMT 20:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبو شباب الحسيمة يحتجون مجددا على تأخر صرف مستحقاتهم

GMT 13:07 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب السوداني يستدعي 6 لاعبين من المريخ

GMT 09:26 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

الجيش يكشف عن أهدافه وتعاقداته في مؤتمر صحفي

GMT 15:11 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

Ralph & Russo "للخياطة الراقية لربيع 2019

GMT 04:05 2019 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

الفنان أحمد عز يشرع في تصوير فيلم "يونس"

GMT 17:46 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

إدارة السجون توضّح حقيقة اغتصاب سَجين في "عين السبع1"

GMT 01:30 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

غادة إبراهيم تكشف عن استخدام الفوم لعمل عرائس المولد النبوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib