بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة»

بعد هدأة الغبار... جردة في «ميزان الربح والخسارة»

المغرب اليوم -

بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة»

عريب الرنتاوي
بقلم: عريب الرنتاوي

بعد انجلاء غبار أول مواجهة أميركية ـ إيرانية مباشرة، ثمة ما يشجع المراقبين على إجراء «جردة حساب» لتحديد الرابحين والخاسرين في هذه الجولة، ومعرفة ما الذي أنجزه كل فريق وما الذي خسره... هل ثمة رابح وخاسر بنتيجتها وفقاً لقواعد «اللعبة الصفرية» المعتمدة بين الطرفين، أم أنها انتهت بمعادلة «رابح ـ رابح» أو «خاسر ـ خاسر»؟ من وجهة نظر أميركية، يمكن الاستناد إلى «تقييم» وزير الدفاع مارك إسبر بأن واشنطن «استعادت مستوى من الردع» في علاقاتها مع طهران. الضربة الأميركية غير المسبوقة لهدف إيراني وازن، محمّل بالدلالات و»الرمزيات»، تركت وستترك أثرا على سلوك إيران وسياساتها في المنطقة... وإن صحت المعلومات «المشجعة» التي كشف عنها نائب الرئيس مايك بينس بأن طهران أبلغت ميليشيات محسوبة عليها بتفادي ضرب الأميركيين، فإن تطورا ملموسا سيكون قد طرأ على «معادلة القوة» بين طرفي هذا الصراع الممتدة على مساحة أربعة عقود. لكن في المقابل، ومن وجهة النظر الإيرانية، فإن قيام طهران باستهداف منشآت وقواعد عسكرية أميركية مباشرة، والإعلان عن ذلك رسميا، جهارا نهارا، وفي سابقة لم تجرؤ عليها دولة من قبل، ومنذ أمد بعيد جدا، يستبطن في ذاته، دلالة رمزية عالية، لا تقتصر على «حفظ ماء الوجه»، بل وتبعث برسائل دالة على ما يمكن أن تكون عليه ردود أفعال إيران إذا ما، وعندما، تقع المواجهة الشاملة، على الرغم من «الحصيلة الصفرية» انتهت الضربة لجهة الخسائر البشرية. مع خسارة إيران الجسيمة بفقدانها «الأب المؤسس» لمجالها الإقليمي الحيوي الممتد من أفغانستان حتى غزة، ومن اليمن مرورا بالعراق وسورية ولبنان، فإن إيران نجحت في توظيف العملية الأميركية في مطار بغداد، لترميم جبهتها الداخلية، وتنحية الصراع المحتدم بين إصلاحييها وأصولييها، وإن إلى حين... ودفعت للخلف بمطالب «الحراك الشعبي» الذي بدأ يشكل مصدر قلق وتهديد للنظام الإيراني، فتحت شعار «العدو على الباب»، بات بمقدور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أن يصرّح بأن «دماء سليماني» أعادت الاعتبار للثورة الإسلامية، بعد أن ظن كثيرون بأن جذوتها قد خبت. لقد قلنا من قبل، وقال كثيرون غيرنا، إن «التغيير» في إيران، لا يأتي من الخارج، وإن فكرة العدو أو التهديد الخارجي، من شأنه استثارة الشعور القومي لدى الإيرانيين بدل إضعافه، وتغليب كفة «الأصوليين والثوريين» على الإصلاحيين والمجددين في إيران. قلنا وما زلنا نقول، إن طريق إيران للتغيير، يشبه مع اختلاف الظروف، طريق «البيريسترويكا» في الاتحاد السوفياتي المنحل، ولهذا السبب ـ من بين أسباب أخرى بالطبع ـ أيدنا الاتفاق النووي مع إيران، وراهنّا كغيرنا، على أن إدماج إيران في الاقتصاد والسوق العالميين، من شأنه تشجيع قوى الإصلاح والتغيير وتمكينها، وربما كان هذا رهان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وغيره من قادة دول مجموعة «5+1». وسنكون على موعد وشيك، الشهر المقبل، للتعرف على أثر المواجهة الأميركية ـ الإيرانية على الداخل الإيراني، فانتخابات مجلس الشورى يُتَوقع لها، أن تكون «مؤشرا» على حجم التغيير في موازين القوى بين مختلف التيارات الإيرانية، مع أن أغلب التقديرات ترجح من الآن، تصعيد عناصر متشددة وأكثر تشددا إلى سدة البرلمان الإيراني. التطور الأبرز الثاني، يتصل بأثر هذه المواجهة على «ديناميكيات» الانقسام الداخلي في العراق... هنا، وهنا بالذات، يمكن التمييز بين مستويين من الانقسام ... الأول؛ وقد مثلته الانتفاضة الشعبية العراقية غير المسبوقة، والتي تركزت في الأساس في البيئة الشيعية الحاضنة لأحزاب وميليشيات «الإسلام السياسي الشيعي»، قبل أن يتردد صداها باستحياء وعلى نحو متواضع في المحافظات العربية السنيّة، وظل الأكراد بعيدين عنها. والثاني؛ ويتجلى في اتساع الفجوة بين المكونات العراقية الثلاثة على خلفية الاشتباك الأميركي ـ الإيراني، وهو ما عكسه على نحو جليّ غياب ممثلي المكون الكردي بالكامل عن جلسة مجلس النواب العراقي التي تقرر فيها الطلب من الحكومة الشروع في إجراءات إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، وحضور ثلاثة نواب فقط من العرب السنة، أحدهم جادل بالضد من القرار المذكور. هنا، يبدو العراق على مفترق طرق داخلي حاسم: فإما السير على طريق تطوير انتفاضته الشعبية واستعادة هويته الوطنية الجامعة، واستنقاذ العراق من «صندوق بريد» لتبادل الرسائل الدامية، ودائما على حسابه وفي انتهاك لسيادته واستقلاله، وإما العودة لسياسة التنابذ الطائفي والمذهبي والإثني، في استعادة أكثر فتكا وخطورة، لمشروع «أقلمة» العراق على هذه الأسس، توطئة ـ ربما ـ لانقسامه وتقسميه. ثمة معطيات، لم تنضج بعد، عن حراك سنّي يستعيد ملامح مرحلة ما قبل «داعش»... وثمة معلومات لم تتأكد من مصادر موثوقة، عن رغبة سنيّة، في العودة إلى مشروع «الأقلمة»، وتوفير «حواضن آمنة» للوجود العسكري الأميركي بوصفه عنصر التوازن الوحيد مع الوجود الإيراني المهيمن في العراق... وثمة معلومات، يصعب الجزم بمدى صحتها، عن اتصالات تجري بين كيانات سنية وعواصم عربية وإقليمية ودولية بهذا الصدد. أما المكون الكردي، فثمة اعتقاد راسخ بدأ يتسلل إلى أوساط المراقبين في العراق والمنطقة، بأن قادته يتحينون الفرصة لـ»الثأر» من الفشل الذي طاول ضفاف الهزيمة، بعد الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق (2017)، بالاستفادة من حالة التباعد بين واشنطن وبغداد (المكون الشيعي بخاصة)، والرهان على حاجة واشنطن للإقليم للاحتفاظ بموطئ قدم في العراق، إن لم يكن في سياق الحرب على الإرهاب، ففي سياق «رصد وتتبع» الأنشطة الإيرانية، داخل إيران وفي العراق وسورية على حد سواء. مستقبل العراق، الذي ارتبط بمصائر الصراع الأميركي ـ الإيراني في العراق وعليه، بات اليوم، مرتبطا أكثر من أي وقت مضى، بمستقبل الصراع بين مشروعين: مشروع الانتفاضة الشعبية بما هي استعادة للهوية الوطنية والدولة المدنية والسيادة العراقية... ومشروع «الأقلمة»، بما هو تعبير عن فشل المكونات والكيانات العراقية في التوافق والاتفاق على «صورة عراق المستقبل وموقعه». أما التطور البارز الثالث، الذي يتعين التوقف عنده، ويتعلق بمواقف دول الخليج العربية، التي أظهرت إجماعا نادرا في ردة فعلها على المواجهة الأخيرة بين واشنطن وطهران، إذ على الرغم من حالة «الابتهاج» التي هيمنت على وسائل إعلام خليجية بمقتل سليماني والمهندس، إلا أن الأوساط السياسية القيادية في دول المجلس الست، أظهرت رغبة حقيقية في تجنيب المنطقة خطر الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها. لقد غابت لغة «التجييش» و»التحريض» عن خطاب الثلاثي السعودية الإماراتي البحريني، وحلت محلها لغة «النأي بالنفس»، وتسابقت دول خليجية للتنصل والبراءة من اتهامات «الحرس الثوري» لها باحتضان الطائرات الأميركية التي قتلت سليماني... لم يهدد أحدٌ بقطع يد إيران، ولم يتعهد أحد بنقل المعركة إلى «الداخل الإيراني». مردّ ذلك يعود من وجهة نظري، لعاملين رئيسين اثنين: الأول؛ خشية هذه الدول من تحول جغرافيتها إلى ساحة للحرب الشاملة المقبلة، مع كل الكلف والخسائر التي يمكن أن تتكبدها... والثاني؛ تآكل جدران الثقة بالولايات المتحدة في مواجهة التهديد الإيراني. هنا، يتعين على واشنطن التفكير مطولاً في مغزى التحول في مواقف أقرب حليفاتها العربيات، سيما بعد تكرار حالات «التخلي» و»الخذلان» التي أصابت عددا من أصدقاء واشنطن وحلفائها. إن لم يقع ما ليس في الحسبان، من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في تشرين الثاني القادم، فإن الصراع الأميركي ـ الإيراني في العراق والمنطقة، سيتواصل من ضمن مستويات قابلة للتحكم والسيطرة، على أن الكثير سيعتمد على ما يمكن أن تتخذه إيران من خطوات وإجراءات ترجمة لشعارها المركزي المستجد: إخراج القوات الأميركية من «غرب آسيا»... ففي منطقة اعتادت المفاجآت من العيار الثقيل دائماً، يصعب التكهن بما هو أبعد من ذلك. وإذا كان من غير المرجح أن يدخل الجانبان في مواجهة شاملة لا يرغب أي منهما في خوض غمارهما، كما يعلنان صباح مساء، فإنه من غير المرجح كذلك، أن ينخرط الجانبان في «مفاوضات جادة وغير مشروطة» دعا إليها الرئيس الأميركي. إيران، لم تستجب لدعوات ترامب قبل مقتل سليماني، ومن الأصعب عليها أن تستجيب لها بعد مقتله، والأرجح أنها لن تتخذ قراراً استراتيجياً بهذا الشأن وبهذا الحجم، قبل أن ينجلي غبار المعركة الرئاسية في الولايات المتحدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة» بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة»



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 02:59 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
المغرب اليوم - أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس

GMT 05:50 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرقاوي يكشف احصائيات حوادث السير في المدن المغربية

GMT 12:18 2015 الخميس ,04 حزيران / يونيو

دراسة تؤكد أن القطط تسبب مشاكل فى ذاكرة الأطفال

GMT 14:07 2016 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

سفيان بوفال يقترب من حمل قميص أسود الاطلس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib