في وداع الإطفائي الأخير

في وداع "الإطفائي الأخير"

المغرب اليوم -

في وداع الإطفائي الأخير

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

لم تساورنا الشكوك حيال المكانة الخاصة التي تمتع بها أمير دولة الكويت في أوساط شعبه والأمة العربية، بل وعلى الساحة الدولية، بيد أن ردود الأفعال على رحيله في السياسة والإعلام، وحالة الحزن والأسف التي عبرت عنها ملايين "البوستات" و"التغريدات" التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي، كان بمثابة استفتاء على دور الرجل ومكانته الممتدة على مسافة أزيد من ستة عقود في حياته...لم يبق كثيرون من صنف هؤلاء القادة العرب على أية حال .
 
لست أدعي معرفة أو صداقة بالراحل الكبير، فقد التقيته مرة واحدة في حياتي، وعندما كان وزيراً لخارجية بلاده، ومن ضمن وفد إعلامي أردني مُصغّر، كان الأول الذي تتاح له فرصة زيارة الكويت بعد تحريرها، وأظن أن زملاء لي يستذكرون حوارات ساخنة وعتابات لا تنتهي خصنا غمارها مع زملاء ومسؤولين في الدولة الشقيقة، لكن اللقاء مع الشيخ صباح كان مختلفاً، حميمياً وأخوياً، لم يتوقف عند الماضي ولم يقلب في صفحات سوء الفهم والتفاهم، بل استحضر كل ما هو مشرق في علاقات الأخوة بين الأردن والكويت، متطلعاً دائماً للمستقبل وآفاقه المفتوحة.
 
مذ أن وعيت على العمل السياسي والعام وأسم الشيخ صباح يتردد على مسامعي: تارة وسيطاً من المنظمة والأردن، وثانية بين اللبنانيين في حربهم الأهلية، وثالثة بين سوريا والمنظمة، ورابعة بين "الإخوة اليمينيين الأعداء" وخامسة وسادسة...لم تشتعل بؤرة توتر في منطقتنا إلا وهرع "رجل المطافي" من دون تباطؤٍ أو استئذان، عارضاً وساطته وباذلاً مساعيه الحميدة...وكان الوسيط والراعي الكويتي يلقى الترحيب على الدوام، فمهما تعددت أطراف الصراع وتصادمت أجنداتهم، إلا أنهم يعرفون تمام المعرفة، أن الكويت بلداً "بلا أجندة توسعية"، بلا مطمع ولا مطمح، وأنها تعطي بدل أن تأخذ.
 
سفراء الكويت في دول الأزمات المفتوحة، والذي عملوا بمعية وزير خارجيتهم المخضرم، اكتسبوا بعضاً من صفاته، فكانوا موضع ترحيب، وبعضهم تحول إلى "سوبر ستارز" في الدول التي عملوا بها، لفرط حضورهم في المحافل السياسية وعلى خطوط التماس، ولفرط نشاطهم المبدد للاحتقانات والتوترات...لقد أصيبت هذه الدبلوماسية في مقتل بعد الغزو العراقي للكويت، ولكن الشيخ الوزير نجح في وضعها على سكة التعافي، قبل أن يعود الشيخ الأمير، لوضعها على سكة الاستنهاض مجدداً.
 
يكفيه أن من آخر مآثره، أنه فتح بلاده للوساطات بين الإخوة اليمنيين المتحاربين، وكل يمني "مطرحاً" له في الكويت...يكفي أن الوساطة لحل "الأزمة الخليجية" ارتبطت باسم الكويت وأميرها، ولولا الإسهام الشخصي للراحل الكبير، لكنا وكان الخليج اليوم، في مكان آخر، مختلف تماماً، كما تشير لذلك كافة المعلومات والتسريبات.
 
أما فلسطين والفلسطينيون، فقد كان لهم نصيب الأسد من "الرعاية" الكويتية، يكفي أن الكويت تصدرت الصفوف العربية المناهضة للتطبيع، تكفي المواقف المشرفة للكويت أميراً وحكومة وجلساً نيابياً ورأيا عاماً أنها قالت "لا" مدوية للتطبيع برغم الضغوط والإغراءات...وأحسب أن العلاقات الفلسطينية – الكويتية، كما العلاقات الأردنية الكويتية، ما كان لها أن تتخطى انقسامات العامين 1990-1991 وتصفي ذيولها، وتعود إلى ما كانت عليه (وأفضل) لولا سعة صدر وأفق الراحل الكبير، لولا حكمته وتبصره، لولا التزامه العميق بقضايا شعبه وأمته بل وبقضايا بالإنسانية جمعاء.
 
ما أحوجنا في زمن الرعونة والخفة والمغامرة، لحكمة رجل بوزن الشيخ صباح...ما أحوجنا في زمن الخذلان والتخلي لدور الراحل "الذي لا يخلع صاحبه"...رحيل الشيخ صباح الأحمد خسارة كبيرة في أي وقت، بيد أن رحيله في هذا المنعطف بالذات، هو خسارة جسيمة مضاعفة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع الإطفائي الأخير في وداع الإطفائي الأخير



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
المغرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 16:02 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء
المغرب اليوم - جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء

GMT 13:17 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 16:11 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

تثق بنفسك وتشرق بجاذبية شديدة

GMT 12:58 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمامي يتراجع عن الاستقالة من الجيش الملكي

GMT 15:14 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2020

GMT 17:38 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

حيوان المولوخ الأسترالي يشرب الماء عن طريق الرمال الرطبة

GMT 13:15 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

سعد الصغير يعلن عن قلقه من الغناء وراء الراقصات

GMT 12:18 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

جهود دولية لمكافحة الجرائم الإلكترونية

GMT 13:15 2012 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

لكل زمن نسائه

GMT 15:54 2015 الإثنين ,06 تموز / يوليو

متأسلمون يستدرجون يستعملون وبعد ذلك يسحقون

GMT 15:10 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

ما صدر في قضية بورسعيد قرار والحكم 9 مارس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib