في البحث عن شمّاعة لتعليق العجز والفشل

في البحث عن "شمّاعة" لتعليق العجز والفشل

المغرب اليوم -

في البحث عن شمّاعة لتعليق العجز والفشل

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

نهضت الدعاية الإسرائيلية السوداء، "الجوبلزية بامتياز"، على فرضية "أكذب حتى يصدقك الناس"، فظلت تكيل الاتهامات للفلسطينيين بتبديد كل فرصة للسلام، وتتحدث عن "خيانة" قياداتهم التاريخية لأماني وتطلعات الأجيال المتعاقبة منهم، وأنهم (الفلسطينيون عموماً) سبب المتاعب والقلاقل ليس في إسرائيل وحدها، وإنما للعالم العربي...هذا خطاب عرفناه وقاومناه في كل ساحة ومحفل، بيد أنه لم يكن يوماً صادماً لنا، باعتباره يصدر عن عدو، لا نتوقع منه غير ذلك.

لكن مناخات الهزيمة والتفكك التي يعيشها النظام العربي منذ سنوات، وتجلّت مؤخراً بأكثر صورها سفوراً وابتذالاً، رفعت "الدعاية الإسرائيلية" إلى مستوى "الخطاب الرسمي" لبعض أنظمتنا وحكوماتنا، وأخذ الناطقون باسمها، من إعلاميين وسياسيين وكبار المسؤولين، السابقين بخاصة، يرددون هذا الخطاب بلا حياء، بل ويعيدون انتاجه بوصفه خطاباً لهم، وكشفاً مبكراً من استكشافاتهم، حتى صار مألوفاً أن تسمع أحدهم يتحدث عن "مسؤولية الفلسطينيين" عن ضياع فرص السلام، وينتقد تردد قياداتهم وانحيازها لـ"الجانب الخطأ" من التاريخ؟!

قلنا ذات مقال، في هذه الزاوية بالذات، أن أسوأ صنوف الهزائم وأشدها خطورة، ليست خسارة معركة أو ساحة قتال، بل حين ينبري المهزوم إلى تبني رواية من هزمه، وحين تشرع الضحية، في ترديد "سرديات" جلادها...والأكثر ابتذالاً من هذه وتلك، حين يُصار إلى تحميل الفلسطينيين، أوزار ما يفعله محتلو أرضهم ومشردو شعبهم ومنتهكو مقدساتهم...هنا والآن، تصبح الخطوة التالية غير مستبعدة: كأن يضع بعض العرب أوراق اقتدارهم، إلى جانب أدوات إسرائيل الاحتلالية، في استهداف الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته و"شيطنة" قيادته.

أيها السادة، منذ نصف قرن تقريباً (46 سنة بالتمام والكمال)، والفلسطينيون يعرضون "تقاسم أرض آبائهم وأجدادهم" مع أبناء وأحفاد الموجات المتعاقبة من المهاجرين اليهود، مع أنهم يعرفون أنها "قسمة ضيزى"...قبلوا منذ 1974 بنقاط عشر، تسمح بقيام دولة فلسطينية على 22 بالمئة فقط من أرضهم التاريخية...وعندما تقدمتم بمبادراتكم لحل القضية الفلسطينية، سارع الفلسطينيون للقبول بها والترحيب بوعودها، بل والعمل على ترويجها وتعميمها، حدث ذلك منذ فاس 1982 وحتى مبادرة السلام العربية في بيروت 2002، رغم معرفتهم المسبقة، بأن أهداف تلك المبادرات تقع في مكان آخر، وأنها لا تشي بإرادة حقيقية لدى النظام العربي لفرض خياراته، سيما بعد أن قرر العرب مسبقاً وسلفاً: "أن السلام خيارهم الاستراتيجي الوحيد" مسقطين من أيديهم "الحق"، مجرد الحق، باللجوء إلى خيارات أخرى.

حسناً أيها السادة، لقد قبل ياسر عرفات بالمبادرة العربية وهو في "محبسه" في رام الله، يتعرض للتسميم وينام (أو بالأحرى لا ينام) على صرير أنياب الجرافات الفولاذية، وهي تقضم "المقاطعة" غرفة تلو أخرى، وجداراً بعد جدار...وعندما لاح في أفق الموقف العربي ميلاً للتخلي عن بعض بنود المبادرة (اللاجئون)، أو استعداداً للمساومة على بعض بنودها (تبادل أراض)، تساوقت القيادة الفلسطينية – من أسفٍ – مع هذا المنحى، وأبدت من "المرونة" ما عدّه البعض، تفريطاً بثوابت وحقوق غير قابلة للتصرف.

لكن إسرائيل، ظلت على الدوام، كـ"جهنم"، نقول هل امْتَلأْتِ فتقول هل من مزيد، لا حدود لنهمها وشهيتها التوسعية، اللذان لا يوازيهما شئياً سوى العجز والتخاذل العربيين...وبدل أن يُلقي العرب بكل ثقلهم خلف مبادرتهم، لإنفاذها، ظلوا يرحِّلونها كـ"الجثة الهامدة"، من قمة إلى أخرى، ومن لجنة إلى لجنة، إلى أن جاءت لحظة الحقيقة العارية، ومال العرب أو بعضهم، للرضوخ لمبدأ "السلام مقابل السلام"، وصار لزاماً على من عجز عن التصدي للجلاد أن يلجأ إلى لوم الضحية، وجعلها "شمّاعة" يعلق عليها عجزه وفشله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في البحث عن شمّاعة لتعليق العجز والفشل في البحث عن شمّاعة لتعليق العجز والفشل



GMT 20:44 2025 السبت ,19 تموز / يوليو

الطعن على الوجود

GMT 13:16 2025 السبت ,28 حزيران / يونيو

حكومة فى المصيف

GMT 15:46 2025 الجمعة ,20 حزيران / يونيو

ترمب... وحالة الغموض

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,18 حزيران / يونيو

هند صبري.. «مصرية برشا»!

GMT 17:41 2025 الإثنين ,16 حزيران / يونيو

..وإزالة آثار العدوان الإسرائيلى

نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 17:16 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 16:39 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 16:18 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 19:12 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس والشعور

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib