يشهد المغرب منافسة حادة مع الجزائر لاحتضان مشروع أنبوب نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا، ويأتي ذلك في سياق أزمة الطاقة العالمية، مع السعي الأوروبي للتخلي تدريجياً عن النفط والغاز الروسي.
وتواجه جهود كل من الرباط والجزائر العديد من التحديات الفنية والمالية والأمنية، رغم أهمية الجدوى الاستراتيجية للطرفين، وأهمية السرعة في تنفيذ المشروع بالنسبة للجانب الأوروبي.
وتتزايد الأهمية الاستراتيجية، مع سعي المفوضية الأوروبية إلى وقف كامل لاستخدام الغاز والنفط الروسي قبل عام 2028، ضمن خطة تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على مصادر غير مستقرة.
ويفتح هذا التوجه الأوروبي الباب أمام مشاريع بديلة، أبرزها مشروع أنبوب الغاز النيجيري الذي يمكن أن يربط إفريقيا بأوروبا عبر المغرب أو الجزائر، ليصبح أحد أهم الحلول الاستراتيجية في المرحلة المقبلة.
قطع المغرب خطوات مهمة في المشروع، حيث أنهى دراسات الجدوى الهندسية، كما أبرم عدة مذكرات تفاهم مع نيجيريا ودول إفريقية أخرى يمر بها خط المشروع، وذلك لدعم مراحل التمويل. كما أطلق طلبات العروض للمرحلة الأولى، مع خطة تمويل تعتمد بنسبة كبيرة على القروض الدولية والاستثمارات المباشرة.
وتعترض الجهود المغربية تحديات متعددة، تشمل التمويل الضخم، حيث تقدر كلفة المشروع بما بين 25 إلى 27 مليار دولار، إضافة إلى المخاطر الأمنية المرتبطة بمرور الأنبوب عبر مناطق الساحل التي تشهد نشاطًا لجماعات مسلحة. وفي الوقت نفسه تتزايد التعقيدات اللوجستية نتيجة طول المسار الذي يمر عبر أكثر من 11 دولة.
وتتزايد أهمية المشروع بالنسبة للمغرب، نظراً للجدوى الاقتصادية والاستراتيجية من ورائه، حيث يعزز موقعه كمركز طاقي بين إفريقيا وأوروبا، مع خطط لربط المشروع بمبادرات الطاقة الخضراء والهيدروجين، إضافة إلى خلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة. كما أن المشروع سيعزز نفوذ المغرب الجيوسياسي في غرب إفريقيا ويمنحه دورًا محوريًا في أمن الطاقة الأوروبي.
تراهن الجزائر من جانبها على مشروع قديم يعرف باسم "غاز الصحراء الكبرى"، حيث وقعت اتفاقيات مع نيجيريا والنيجر لاستكمال الدراسات، مع خطة لنقل نحو 30 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز إلى أوروبا. المشروع يتميز بمسار أقصر مقارنة بالمشروع المغربي، لكنه يواجه تحديات سياسية وأمنية كبيرة. وفي الوقت نفسه تراهن الجزائر على أن تكلفة المشروع الذي تسعى لتنفيذه لا تتجاوز نحو 50% من كلفة المشروع المغربي، فالدراسات تقدر تكلفة خط المسار الجزائري بنحو 13 مليار دولار، بينما تقدر تكاليف المشروع المغربي بأكثر من 26 مليار دولار، لكن انسحاب النيجر مؤخراً من الاتفاقيات مع الجزائر يمثل ضربة قوية للمسار الجزائري. إضافة إلى ذلك، تواجه الجزائر مخاطر أمنية في مناطق الصحراء الكبرى، مما يزيد من كلفة الحماية ويؤخر التنفيذ.
وتدرك الجزائر الميزات الاستراتيجية للمشروع، باعتباره يعزز مكانتها كمصدر رئيسي للغاز إلى أوروبا، خاصة أنها بالفعل تزود الاتحاد الأوروبي بنسبة كبيرة من احتياجاته عبر خطوط قائمة مثل "ميدغاز" و"ترانسميد"، ونجاح المشروع سيمنحها نفوذاً إضافياً في سوق الطاقة الأوروبية.
يسعى المغرب لتنفيذ المشروع في مسار يمتد عبر 11 إلى 15 دولة وصولًا إلى مضيق جبل طارق، في حين تعتمد الجزائر على شراكة ثلاثية تمر من نيجيريا عبر النيجر وصولًا إلى الشواطئ الجزائرية على البحر الأبيض المتوسط. وهذا التنافس يعكس رغبة كل طرف في تعزيز نفوذه الإقليمي وضمان حصة أكبر في سوق الطاقة الأوروبية.
ويتوقع أن يفتح المشروع الباب أمام استثمارات ضخمة في الطاقة الخضراء، ويعزز موقع الدولة التي ستنفذه ليجعلها مركزاً إقليمياً للطاقة، مع فرص كبيرة لخلق وظائف وتحقيق عوائد اقتصادية طويلة الأمد، مع تعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي، ويعزز مكانتها كمصدر رئيسي للطاقة في أوروبا، لكنه يظل رهيناً بحل المشكلات الأمنية والسياسية.
ويواجه كلا المشروعين صعوبة في إبرام عقود شراء مسبقة تضمن عوائد مستمرة، مما يجعل المستثمرين أكثر حذراً، بحيث لم يتم تأمين كامل التمويل حتى الآن، لأي من المشروعين، خاصة مع وجود المخاطر الأمنية في مناطق الساحل والصحراء الكبرى التي تمثل تحديًا كبيرًا، حيث تنشط جماعات مسلحة قد تستهدف البنية التحتية للمشروع، مما يرفع الكلفة الاستثمارية.
يدعم الاتحاد الأوروبي أي مشروع يضمن له بدائل عن الغاز الروسي، مما يجعلها طرفاً رئيسياً في تمويل هذه المبادرات، فالاتحاد الأوروبي يضع هذه المشاريع ضمن أولوياته، إلى جانب دعم مبادرات الطاقة المتجددة.
يبدو المغرب متقدما في الدراسات والاتفاقيات، مع دعم دولي قوي، مما يجعله في وضع جيد لبدء التنفيذ خلال السنوات القليلة المقبلة.
أما الجزائر -رغم خبرتها في تصدير الغاز، وقلة متطلبات التمويل لمسارها- فإنها تواجه تحديات كبيرة بسبب انسحاب النيجر من المشروع، إضافة إلى المخاطر الأمنية، مما قد يؤخر المشروع أو يفرض إعادة تقييم للمسار.
ويسعى كلا الطرفين للتقدم بخطوات عملية نحو تنفيذ المشروع، وحشد الدعم الدولي وتأمين التمويلات اللازمة، فالفائز في هذا السباق سيحظى بدور محوري في أمن الطاقة الأوروبي في وقت يشهد العالم تحولات جذرية في قطاع الطاقة. وسيعتمد تحديد المسار على قدرة كل طرف في تأمين التمويل وحل التحديات الأمنية، إضافة إلى سرعة الاستجابة لمتطلبات أوروبا التي تسعى للتخلي عن الغاز الروسي قبل نهاية العقد الحالي.
أبدت وزارة الخارجية الأميركية وبنك الاحتياطي الفيدرالي اهتماماً رسمياً بالاستثمار في خط أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب، وذلك خلال أبريل/نيسان 2025، في إطار سعي واشنطن لتعزيز مكانتها الاستراتيجية في إفريقيا ومواجهة النفوذ الصيني والروسي.
وخلال منتدى الربيع 2025 في واشنطن، أكدت نيجيريا التزام الولايات المتحدة بالمشاركة في تمويل ودعم الإصلاحات الاقتصادية في نيجيريا وربطها بطموحات الربط الطاقي مع المغرب.
وخلال منتدى الطاقة الأميركية–الأفريقية في هيوستن خلال شهر أغسطس/آب 2025، تقدم الوفد المغربي بمبادرة لتعزيز التمويل الأميركي لأنبوب "الغاز الأطلسي الأفريقي" (الجزء المغربي). وقد جرى عرض دراسات الجدوى والتكلفة المقدرة بنحو 26 مليار دولار أمام مستثمرين أميركيين.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
الاتحاد الأوروبي يؤكد تحالفه مع الولايات المتحدة وسط إنتقادات إستراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة
وزارة الخارجية الأميركية تؤكد أن وضع حقوق الإنسان بالمغرب ثابت والحكومة تتحرك لمعاقبة المتورطين بالانتهاكات
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر