بعد مضي قرابة عشر سنوات على توقيفه في لبنان، قرر المحقق العدلي في قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، القاضي زاهر حمادة، إخلاء سبيل هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وذلك مقابل كفالة مالية حُددت بمبلغ 11 مليون دولار أميركي، مع منعه من مغادرة الأراضي اللبنانية.
المحامي شربل الخوري، أحد أعضاء فريق الدفاع عن القذافي، أكد في تصريح أن الفريق القانوني سيقدّم طلبًا لإلغاء الكفالة المالية، واصفًا المبلغ بأنه "تعجيزي ومستحيل التنفيذ" نظرًا لكون أموال موكله خاضعة لعقوبات دولية منذ عام 2012.
ويأتي قرار الإفراج بعد جلسة استجواب مطوّلة عُقدت صباح اليوم في قصر العدل في بيروت، هي الأولى من نوعها منذ عام 2017، بحضور المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة، وفريقي الدفاع والادعاء. شارك في الجلسة كل من المحامي الفرنسي لوران بايون، واللبناني شربل خوري عن جهة الدفاع، إضافة إلى وكلاء الادعاء عن عائلات الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، ومن بينهم المحامي أنطوان عقل، فضلاً عن حضور اثنين من أولاد الشيخ يعقوب.
هنيبعل القذافي نفى خلال الجلسة امتلاكه أي معلومات تتعلق بمصير الصدر أو مرافقيه، مشددًا على أنه لم يكن سوى طفل يبلغ الثالثة من العمر عند وقوع الحادثة في ليبيا عام 1978. وبعد التداول، صدر القرار بإخلاء سبيله مع استمرار منعه من السفر، مع تأكيد بقاء الملف مفتوحًا والتحقيقات مستمرة حتى الوصول إلى نتيجة نهائية في القضية.
القرار أثار ردود فعل متفاوتة. فقد أصدرت عائلة الإمام موسى الصدر بيانًا أكدت فيه رفضها القاطع لقرار الإفراج، معتبرةً أن موقفها لم يتغير منذ لحظة توقيف القذافي في عام 2015، إذ ترى أنه لم يقدّم حتى الآن أية معلومات يمكن أن تُسهم في كشف مصير الإمام ورفيقيه. وأوضحت العائلة في بيانها أن "جوهر القضية لا يكمن في توقيف القذافي أو إطلاق سراحه، بل في الوصول إلى الحقيقة وتحرير المغيبين"، على حدّ تعبيرها. كما أعربت عن استغرابها من توقيت القرار في ظل غياب أي تطورات جوهرية في التحقيقات، مؤكدة أنها لم تتدخل سابقًا في عمل المحقق العدلي ولن تفعل اليوم.
في المقابل، وافقت عائلة الصحافي عباس بدر الدين على الإفراج عن القذافي لكنها أبقت على ادعائها القائم بحقه، فيما لم تصدر عائلتا الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب مواقف مماثلة.
فريق الدفاع عن القذافي شدد على أن موكلهم لا يمتلك المبلغ المطلوب للكفالة، وأنه لا يزال خاضعًا للعقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، على خلاف بعض أشقائه الذين تمكنوا من رفعها لاحقًا. واعتبر الفريق أن هذا الشرط المالي المرتفع يحوّل قرار الإفراج إلى خطوة غير قابلة للتطبيق، مطالبًا بمراجعة القرار بما يتوافق مع القانون والظروف الإنسانية التي يمر بها القذافي.
ويُذكر أن هنيبعل القذافي كان قد اعتُقل في لبنان في ديسمبر/كانون الأول 2015 بعد اختطافه لساعات في منطقة بعلبك من قبل مجموعة مسلحة، قبل أن يُسلّم إلى القوى الأمنية اللبنانية. وقد نُقل إلى سجن رومية المركزي، حيث بقي محتجزًا دون محاكمة فعلية أو تقدم واضح في الملف، رغم مطالبات حقوقية محلية ودولية بإطلاق سراحه واعتبار احتجازه انتهاكًا قانونيًا.
الجدير بالذكر أن الإمام موسى الصدر، أحد أبرز القادة الدينيين والسياسيين في لبنان خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان قد اختفى في ليبيا عام 1978 أثناء زيارة رسمية، برفقة الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا يزال مصيرهم مجهولًا. وواجهت السلطات الليبية السابقة اتهامات بإخفائهم قسريًا، بينما زعمت لاحقًا أن الصدر غادر إلى إيطاليا، وهو ما نفته التحقيقات الإيطالية بشكل قاطع.
ورغم تشكيل لجان تحقيق مشتركة بين لبنان وليبيا منذ عام 2012 بعد سقوط نظام معمر القذافي، لم يتحقق أي تقدم فعلي في كشف الحقيقة، وسط انقسام سياسي وأمني مستمر داخل ليبيا يعقّد أي تعاون قضائي جدي.
وبينما يرى فريق الدفاع أن قرار الإفراج هو انتصار لقيم العدالة بعد احتجاز غير قانوني طال لعقد كامل، يعتبره كثيرون خطوة ذات أبعاد سياسية، قد تمهّد تدريجيًا لإغلاق أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ لبنان المعاصر.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر