أعرب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم الخميس، عن تفاؤله إزاء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشيراً إلى أن واشنطن تلمس تقدماً واضحاً في المفاوضات، وأن المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يشارك هذا التفاؤل ويستعد لإطلاق جولة من المحادثات غير المباشرة بين الأطراف المعنية قريباً.
وقال روبيو، على هامش مشاركته في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في ماليزيا، إن الولايات المتحدة "أقرب إلى الاتفاق مما كانت عليه منذ فترة طويلة"، مشيراً إلى أنه أجرى اتصالاً مساء الأربعاء مع ويتكوف، الذي أكد بدوره أن عدد القضايا العالقة بين إسرائيل وحركة حماس قد تقلص من أربع إلى قضية واحدة فقط.
وفي وقت سابق من اليوم، قال مسؤول إسرائيلي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة قد يكون ممكناً خلال أسبوع أو أسبوعين، مشدداً على أن الاتفاق إذا تم، سيشمل هدنة مدتها 60 يوماً، يجري خلالها إطلاق سراح عدد من المحتجزين لدى حماس، بينهم 10 أحياء، وتسليم رفات 9 آخرين.
وأضاف المسؤول الإسرائيلي أن تل أبيب ترى في فترة الهدنة المؤقتة فرصة لطرح مبادرة لوقف دائم لإطلاق النار، تتضمن شرط نزع سلاح حماس، لكنّه أشار إلى أن إسرائيل مستعدة للمضي قدماً في عملياتها العسكرية إذا رفضت الحركة هذا الشرط.
وجاءت هذه التصريحات تزامناً مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن، حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الثانية خلال يومين، في إطار جهود متواصلة لدفع عجلة المفاوضات نحو اتفاق هدنة.
وأكد ترامب، في تصريحات للصحافيين، وجود "فرصة حقيقية" للتوصل إلى اتفاق في غزة خلال الأسبوع الجاري أو الأسبوع المقبل. وعلق أيضاً على تقارير إعلامية تحدثت عن اجتماع سري جمع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وقطريين مؤخراً بشأن الاتفاق، قائلاً إن "الاجتماعات ليست المهمة، بل الوصول إلى اتفاق حقيقي، ونحن قريبون".
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، قال نتنياهو إن إسرائيل تقترب من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس، مشيراً إلى أن الهدنة المتوقعة ستستمر لمدة شهرين، وأن إسرائيل تعتبر ما تقوم به في غزة "دفاعاً عن النفس"، فيما حمّل حركة حماس مسؤولية الأزمة الإنسانية في القطاع، متهماً إياها بأنها "تجوع السكان وتستخدمهم كدروع بشرية".
ويأتي هذا الحراك السياسي والدبلوماسي بعد نحو 21 شهراً من اندلاع الحرب في غزة، التي بدأت إثر هجوم مفاجئ شنّته حركة حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفر، وفق الإحصاءات الإسرائيلية، عن مقتل حوالي 1200 شخص وأسر 251 رهينة.
ورداً على ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة، أدّت إلى مقتل أكثر من 57 ألف فلسطيني، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة، إضافة إلى تدمير واسع في البنى التحتية وتحويل أجزاء كبيرة من القطاع إلى أنقاض.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن غالبية سكان قطاع غزة نزحوا بسبب القتال، فيما يواجه نحو نصف مليون شخص خطر المجاعة، وفق تقييمات منظمات إغاثية دولية.
ويأمل الوسطاء الأميركيون والقطريون والمصريون أن تؤدي جولة المحادثات المقبلة إلى انفراجة في الأزمة، خاصة مع بروز بوادر على قبول متبادل ببعض الشروط المبدئية، ما قد يُفضي إلى اتفاق هدنة مؤقتة، يُمكن البناء عليه لوقف دائم للأعمال القتالية.
ويعود النزاع القائم بين إسرائيل وحركة حماس إلى عقود من التوترات السياسية والعسكرية، إلا أن الجولة الحالية من الحرب، التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، كانت من أعنف ما شهده الصراع. بدأت الجولة بهجوم مفاجئ شنّته حماس على بلدات إسرائيلية في الجنوب، أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واختطاف 251 آخرين، وفق الرواية الإسرائيلية. وردت إسرائيل بإطلاق عملية عسكرية شاملة على قطاع غزة، شملت ضربات جوية وبرية مكثفة، أدت إلى مقتل أكثر من 57 ألف فلسطيني، حسب بيانات وزارة الصحة في غزة، وتسببت في دمار واسع بالبنية التحتية المدنية.
العمليات العسكرية المستمرة أسفرت عن كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع، حيث نزح أكثر من مليون ونصف مليون شخص داخلياً، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. كما بات قرابة نصف مليون شخص على شفا المجاعة، وسط تدهور شديد في الأوضاع الصحية والمعيشية، وانهيار النظام الطبي بالكامل في معظم مناطق القطاع.
ورغم العديد من محاولات التهدئة برعاية دولية، فشلت حتى الآن كل مبادرات وقف إطلاق النار بشكل دائم. ومع وصول دونالد ترامب إلى ولايته الثانية في رئاسة الولايات المتحدة مطلع 2025، سعت إدارته إلى إحياء جهود الوساطة، من خلال مبعوثها الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بالتعاون مع قطر ومصر.
وقد جرت لقاءات متعددة غير معلنة في الدوحة وواشنطن، لكن الخلافات حول بنود التهدئة، خصوصاً مسألة نزع سلاح حماس وضمانات إطلاق الأسرى، ظلت عقبة رئيسية.
من جهتها، تصرّ إسرائيل على استغلال أي هدنة لإعادة أسرى ومفقودين، ولضمان تحجيم قدرات حماس العسكرية، بينما ترى حماس في أي هدنة فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، وتطالب برفع كامل للحصار وإعادة الإعمار دون شروط سياسية أو أمنية.
أما دول مثل قطر ومصر فتسعى للتوسط بهدف تجنب انهيار غزة بالكامل وتوسع رقعة الحرب إقليمياً، خصوصاً مع تصاعد التوترات في جنوب لبنان، والاشتباكات المتقطعة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
في هذا السياق، يأتي التفاؤل الأميركي والإسرائيلي الأخير بشأن اتفاق هدنة لمدة 60 يوماً كاختراق محتمل بعد أشهر من الجمود، رغم استمرار انعدام الثقة بين الطرفين، وحديث تقارير غربية عن أن الوقت بدأ ينفد لتفادي كارثة إنسانية أشد عمقاً في غزة.
قد يهمك أيضــــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر