الدار البيضاء - حاتم قسيمي
يُوجَد المفتش العام للقوات المسلحة وقائد المنطقة الجنوبية التي تضم الصحراء، الجنرال عبد العزيز بناني، في مستشفى في باريس للعلاج قد يكون المستشفى الشهير "فال غراس"، ورغم تداول الوسط العسكري والصحافة المغربية خبر مرضه ووجوده في فرنسا، لم يُصدر المغرب بيانًا بشأن النقل المفترض للجنرال إلى فرنسا، بسبب ما يُشاع عن تعرضه لأزمة قلبية، "علمًا أنه يعاني من مرض القلب منذ مدة طويلة"، حسب بعض المصادر.
ورغم المهام الكبيرة التي يتولاها هذا الجنرال وهو أعلى جنرال في البلاد رفقة آخرين ومنهم حسني بن سليمان، إلا أن غيابه لم يؤثِّر على عمل الجيش بحكم أنه كان خلال السنوات الثلاث الأخيرة قد تولى مساعدوه الإشراف الميداني على الجيش.

ويُعَد الجنرال عبد العزيز بناني هو الرجل الأول في الجيش المغربي والذي أصبح تراثًا عسكريًا للمملكة بعد أن نجح في قلب موازين حرب الصحراء لصالح المغرب، وهو ما جعل صحفًا أجنبية تلقبه بـ "ثعلب الصحراء".
ويُعتبر أحد أبناء مدينة تازة، انتقل من رحم التعليم الأوليّ ومن عمق التضاريس الوعرة للمدينة صوب العاصمة الإسماعيلية مكناس، ليتدرج في أكاديميتها العسكرية إلى أن أصبح مرآة الملك في الصحراء، إذ لا تستطيع عاصفة رملية أن تزحزحه من مكانه إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا، لكن رغم ذلك، يمكن التذكير كونه ليس من السهل أن ينال أي مسؤول مدني أيًا كانت درجته في سلم الدولة ثقة المؤسسة الملكية، فبالأحرى جنرال داخل الجيش المغربي، فلا إجادة طقوس البيعة ولا المبالغة في ممارستها، ولا وصاية أو ضمانة المقربين من محيط الملك قد تشفع لأيّ كان بأن يكون من حاشية الملك الخاصة، لكن أن ينال جنرال عسكري يأتمر بإشارة واحدة من يده ثلثا الجيش المغربي ثقة العرش، يبقى أمرًا يدفع إلى البحث عن سر هذه الثقة التي لن يكفي القسم على المصحف الشريف قصد تطويرها، وهنا وجب العودة إلى القرن الماضي، لحظة احتضار الحسن الثاني، كانت هناك أربع شخصيات فاعلة تحيط بسرير الملك الراحل: حسني بنسليمان، عبد العزيز بناني، عبد الحق القادري وإدريس البصري، ثلاثة جنرالات ومدني، لم يكن يوصيهم بجنازته فقط، بل يسلمهم مفاتيح خزائن الدولة، مع مجيء محمد السادس إلى الحكم، كانت الحلقة الأضعف في زوايا هذا المربع هو إدريس البصري، الذي كان يبدو قويًا لدى الرأي العام، ضعيفًا أمام المتحكمين في دواليب القصر، من دون امتدادات في الدولة، لا جيش ولا قوات، ولا ارتباطات خارجية.
في عز الصيف، وتحديدًا يوم 23 تموز/ يوليو 1999، عشية وفاة الملك الحسن الثاني، وجد وريثه في العرش نفسه أمام "تركة بشرية" مخضرمة، وُصفت بأقوى رجالات الملك الراحل، مستشارون، عسكريون وسياسيون ممّن هندسوا لمرحلة انتقالية في تاريخ مغرب كان آنذاك مهددًا بـ "سكتة قلبية" وشيكة، ولأن "الرجل هو الأسلوب"، كما كان يقول الحسن الثاني، و"أنا أنا وهو هو" كما وصف وريث عرشه أوجه التقارب بينه وبين والده، ولأنه لكل مرحلة في الحكم فلسفتها ورجالاتها أيضًا، فقد "غربل" الملك محمد السادس تركة والده، ليحتفظ لنفسه في آخر المطاف برجالات اعتبرهم البعض بمثابة "لي بوات سوكري"، أبرزهم الجنرالان عبد العزيز بناني وحسني بنسليمان.
وبقي حسني بن سليمان وعبد العزيز بناني، وبينهما الجنرال القادري الذي اشتغل كمدير للأمن الوطني بين 1981 و1983 إلى جانب إدريس البصري، الذي كان عليه أن يتخذ موقفًا بين العسكري والمدني، ولأنه انتصر لإدريس البصري، فقد وجد نفسه في 26 تموز/ يوليو 2004 محالاً على التقاعد، ليتقلد الجنرال بناني مهمته كمفتش عام للقوات المسلحة الملكية.
وظل الرجلان يحتفظان بكامل نفوذهما على أقوى مؤسستين في الدولة المغربية حتى بعد انتقال الحكم من الراحل الحسن الثاني إلى خلفه محمد السادس.
رغم ذلك، كم مرة فكر فيها محمد السادس في إعفاء الجنرال عبد العزيز بناني من منصبه؟ وكم هي الحالات التي أمعن فيها الملك ينظر حواليه، في محاولة لإيجاد بديل لعسكري مخضرم داخل جهاز القوات المسلحة الملكية الذي يخضع لحساسية مفرطة؟ أسئلة وغيرها جثمت بكل ثقلها على أذهان كثيرين، بالنظر إلى الظروف البيولوجية التي تلازم رجلاً رفض أن يكبر أو يشيخ، أو بالأحرى أن يخضع لإكراهات سن التقاعد، ليبقى خالدًا في منصبه كقائد للمنطقة الجنوبية، بل إنه حتى في ظل الأسئلة المتناسلة عن إمكان العزل والإعفاء، سيعزز الملك محمد السادس مكانة الجنرال، موسعًا سلطاته، إثر تعيينه سنة 2004 مفتشًا عامًا للقوات المسلحة الملكية.
ويَعتقد كثيرون أن عبد العزيز بناني، الذي بدأ مساره العسكري في سلاح المدفعية، لم يبرز نجمه إلا بعد الحادثة الملغومة للجنرال القوي آنذاك أحمد الدليمي، حيث يذهب بعضهم إلى أن ابن تازة كان مغمورا خلف نفوذ الدليمي المتحكم وقتذاك في كل حبة من رمال الصحراء، وأنه إلى جانب الانصياع لأوامره، كان يهاب مزاجيّته المتقلبة، وإن كان قد تتلمذ على يديه، بحكم أنه كان مرؤوسًا للدليمي أو نائبه على المنطقة الجنوبية، غير أن البعض الآخر يرى أنه على الرغم من التراتبية التي كانت ترسم حدود تحرك الرجلين، إلا أن الجنرال الدليمي كان دائم الحيطة من مرؤوسه بناني، سيما وأنه أضحى آنذاك، خصوصًا في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماشي، ندًا له داخل الرمال الصحراوية التي لا تتحرك إلا بأمر منه، على اعتبار أنه راكم من التجربة ما يخوِّل له أن يسترعي انتباه الراحل الحسن الثاني الذي اعتبره بمثابة احتياط إستراتيجي، إذ عرف طيلة مشواره العسكري إلى جانب الدليمي كيف يصغي لأوامر جنراله ويتفاعل مع نصائحه، بل أخذ عنه حنكته في جمع المعلومة وتوظيفها في الوقت المناسب، لذلك عرَف كيف يزاوج بين مهام الاستخبار وتمرسه على شتى أنواع السلاح، ومن ثمة أضحى ظلاً للدليمي الأكثر شهرة في صفوف الجيش.
ولأن يدي عبد العزيز بناني ظلتا بيضاويتين مثل قفازه الذي لا يفارق بزته العسكرية، خصوصًا خلال المحاولتين الانقلابيتين (1971-1972)، فقد وجد فيه الملك الراحل ضالته، بعد أن أخذ ينظر إلى جيشه بنظارات سوداء ليجعله، حسب أحد الخبراء في المجالين العسكري والإستراتيجي، وسيطًا بينه وبين باقي مكونات ضباط القوات المسلحة الملكية، التي كان الملك الراحل ظل إلى غاية وفاته مرتابًا في جيش كاد أن يعصف بعرشه خلال مناسبتين.
وشارك الجنرال عبد العزيز بناني ومثل قادة آخرين في حرب الرمال، التي دارت رحاها بين المغرب والجزائر سنة 1963، كما كان أحد الذين أحبطوا تاكتيكات عناصر بوليساريو المستمدة من حرب العصابات، إبّان حرب الصحراء التي دامت 15 سنة (1991-1976) قبل بناء الجدار الأمني والتوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار، غير أنه بعد وفاة الجنرال الدليمي في الحادثة الملغومة في مدينة مراكش في 22 كانون الثاني/ يناير 1983، كان على ابن تازة أن يستعد لمرحلة مقبلة، وأن يتأنق أكثر من أي وقت مضى، مع الحرص على تلميع نياشين بزته العسكرية وترك مكان شاغر لأخرى، لأنه سيمثل أمام ملك البلاد وقائد أركان القوات المسلحة الملكية، ولأن موت الدليمي ترك ثقبًا في قيادة جيش الصحراء، فلم يكن الملك الراحل يرى رجلاً متمرسًا في عالمي الاستخبار وضبط الأمن الداخلي بحجم ومكانة عبد العزيز بناني، العسكري الذي لعب دورًا مهما في الوساطة بينه وبين باقي ضباط الصحراء، آنذاك، عينه قائدًا للمنطقة الجنوبية مع توشيح بزته بنيشان رفيع إلى جانب نياشينه المصقولة، آنذاك خطا بناني مسيرته بتأنّ إلى أن أصبح "سيد الصحراء".
ويصفه البعض بشرطي الجيش، في إشارة إلى خبرة الجنرال دكوردارمي عبد العزيز بناني في مراقبة الجيش وجمعه معلومات دقيقة عن جل ضباطه، فيما لا يتردد آخرون في نعته بـ "ثعلب الصحراء"، نظرًا إلى كونه، من منظور هؤلاء، يُعتبر أكثر شخص في مملكة محمد السادس على دراية عميقة بالمنطقة الجنوبية، يَعرف مسالكها وتفاصيل مجهريّة عن ثكناتها، بل يعرف ما قد يوجد تحت وسائد ضباطها، وهمسات ووشوشات جنودها، والبعض الثالث يذهب إلى أن الرجل أشبه ما يكون بصقر يفرد جناحيه على ترسانة أسلحة لا يعرف عددها ونوعيتها وما امتصته من مليارات موازنة الجيش إلا عناصر قليلة داخل مثلث ضيق، يعتبر الملك ضلعه الرئيسي، لذلك، سارع محمد السادس، فور إحالته للجنرال القوي، عبد الحق القادري على التقاعد، إلى وضع عبد العزيز بناني مكانه كمفتش بديل للقوات المسلحة الملكية، وبالتالي أضحى الرجل برأسين أحدهما لا يغمض عينيه على منطقة حساسة اسمها الصحراء، والآخر على الترتيبات المرتبطة بعلاقات المغرب في المجال العسكري.
ولم يقتصر دور الجنرال بناني على قيادته للجيش المغربي المرابط في الصحراء، بل وبحكم الرتبة العسكرية الجديدة والتي تُعد أعلى رتبة في الجيش، أصبح يمثل القوات المسلحة الملكية خلال زيارة وزراء الدفاع ووفود عسكرية واستخباراتية لكثير من البلدان الصديقة، وهذا ما يُبرز الدور المهم أو المكانة الخاصّة التي أضحى يحتلها داخل الجيش ولدى الملك، ومنها استقباله سنة 2009 وزير الدفاع البوركينابي الذي كانت بلاده تسعى إلى توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع المغرب، واستقباله لوفد يمني برئاسة نجل الرئيس اليمني رئيس الحرس الجمهوري والفرقة الخاصة العسكرية في هذه السنة، الجنرال دوكوردارمي أحمد علي عبد الله صالح، كما قام الجنرال بزيارات شملت العديد من الدول كان أهمها الزيارة التي قادته إل دولة البحرين في نيسان/ أبريل الماضي، ناهيك عن اللقاءات الأميركية والفرنسية، وتلك التي لم يتم الحديث عنها.
ووُلد الجنرال دوكوردارمي عبد العزيز بناني في تازة في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1939.
من 1976 إلى 1983: عمل قائدًا ميدانيًا للقوات المسلحة المتمركزة في الصحراء برتبة كولونيل (عقيد).
1983: عينه الملك الراحل الحسن الثاني قائدًا للمنطقة العسكرية الجنوبية بعد مقتل الجنرال أحمد دليمي.
2004: عينه الملك محمد السادس مفتشًا عامًا للقوات المسلحة الملكية.


أرسل تعليقك
تعليقك كزائر