الصحف الوسيلة الأكثر مصداقية في التعامل مع القضايا الكبرى
آخر تحديث GMT 12:10:01
المغرب اليوم -

رغم التهديد الوجودي لمكانتها في منظومة الإعلام الحديث

الصحف الوسيلة الأكثر مصداقية في التعامل مع القضايا الكبرى

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - الصحف الوسيلة الأكثر مصداقية في التعامل مع القضايا الكبرى

تأثير الصحف
واشنطن - المغرب اليوم

تحتفظ الصحف بتأثيرها في الرأي العام، بالرغم من التهديد الوجودي لمكانتها في منظومة الإعلام الحديث، ويظهر تأثيرها تحديدًا فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، حيث أنها في مثل هذه القضايا تُعد الوسيلة الأكثر مصداقية، وللصحف دور جذري تاريخيًا في التعامل مع قضايا اجتماعية وسياسية وبعضها أسهم في تغيير توجهات الرأي العام فيما يتعلق بقضايا مثل: منح النساء حق التصويت، والمساواة في الحقوق، ومساندة حركات التحرير الوطنية، وتبني قضايا التفرقة العنصرية. وحديثاً تبرز قضايا حيوية أخرى مثل المحافظة على البيئة ومحاربة الفساد وتحسين الرعاية الصحية، وهي قضايا كان للصحف تأثير قوي في التعريف ورفع الوعي بها.

العوامل التي تجعل الصحف أكثر مصداقية في تناول هذه القضايا هو أنها تلتزم بقواعد المهنة ويعمل بها صحافيون محترفون في تخصصات متعددة، وبها صفحات للرأي، وهي عوامل يفتقر إليها بعض مصادر الإعلام الأخرى مثل منشورات الإنترنت. وما زالت الصحف مؤثرة في قضايا حيوية ربما كانت آخرها قضية العنصرية في الرياضة التي تسهم أكثر من صحيفة بريطانية في حملات لمكافحتها.

تاريخياً، كانت قضية التفرقة العنصرية من أهم القضايا التي واجهت أميركا والعالم في بدايات القرن العشرين. وتناولت الصحف آنذاك هذه القضية من زوايا متعددة منها ما كان يدافع عن المساواة ومنها ما كان يتمسك بالوضع القائم بل ويشجع جماعات عنصرية بيضاء. ولعل قصة الصحافي ويليام مونرو تروتر وصحيفة «بوسطن غارديان» التي أسسها في عام 1901 تصلح مثالاً لما يمكن للصحف أن تحققه في رفع الوعي العام.

نشأ تروتر في عصر العنصرية المتفشية في أميركا ضد السود حتى بعد تحرير العبيد حيث كانوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية يعانون من الاضطهاد وهجمات من جماعات عنصرية مثل «كوكلوكس كلان».

وأسس تروتر صحيفته لكي تكون «مرآة للمجتمع يرى فيها الوجه القبيح للعنصرية».

نادى تروتر بالمساواة والديمقراطية للسود وشجع الثورة ضد التفرقة في كل المجالات. وفي الوقت نفسه كانت صحيفة «غارديان» البريطانية الأكثر شهرة تصدر من مدينة مانشستر وتشجع الليبرالية البريطانية وتنادي بالإصلاح المتدرج لقضية التفرقة العنصرية في أميركا.

قصة تروتر

وُلد ويليام مونرو تروتر في عام 1872 في حي هايدبارك في مدينة بوسطن، وتخرج في جامعة هارفارد عام 1895. ورغم أنه كان من عائلة ميسورة من الطبقة المتوسطة فإنه نشأ في أوج عصر التفرقة العنصرية في أميركا.

وسادت في هذا العصر ممارسات مثل شنق السود بلا محاكمات في الولايات الجنوبية ومنعهم من الملكية والفصل بينهم وبين البيض في المجال العام من وسائل المواصلات إلى القاعات العامة.

ورفض تروتر عرضاً للتدريس في الولايات الجنوبية العنصرية لعدم رغبته في التعامل مع القيود المفروضة على السود في ذلك الوقت. وفكر تروتر وقتها في الهجرة إلى أوروبا قائلاً: «على الأقل سوف يعاملونني كرجل هناك».

ولكنه قرر أن يبقى وأن يحوّل اهتمامه إلى مكافحة هذا الوضع الرديء الذي يسيء معاملته لمجرد أنه رجل أسود. فقرر أن يؤسس صحيفته كأداة للدفاع عن السود من السود أنفسهم. ولم يكن تروتر هو الأول في هذا المجال فقد سبقته في عام 1827 صحيفة «فريدوم جورنال» في نيويورك التي أعلنت أن الوقت قد حان لكي ينتهي خداع الرأي العام من البيض الذين يتحدثون باسم السود. وفي الوقت نفسه كان استعباد السود سائداً في الولايات الجنوبية، وكانت الصحف البيضاء تبرره لأسباب اقتصادية وتطالب بتوسيع نطاق الاستعباد إلى الشمال الأميركي وبالتخلص من الهنود الحمر.

وفي أول افتتاحية لصحيفة «بوسطن غارديان» قال تروتر لقرائه إن «الصحيفة يجب أن تُعرف بما تفعل لا بما تقول. والغارديان ليست مثل الصحف السوداء الأخرى تقول شيئاً وتفعل عكسه. نحن نطلب للجنس الأسود الكرامة التي حرمنا منها العالم. ولن نعتذر أو نتراجع. ولن يكون أحدنا حراً ما لم يكن الجميع أحراراً».

كان تروتر يطالب بثورة تحرير من العبودية الرأسمالية على نحو مماثل لما كان كارل ماركس ينادي به لتحرير عمال العالم من رأس المال المستغل. ولتحقيق ذلك بدأ تروتر حملة من خلال صحيفته من أجل تدبير المال اللازم لسفره إلى مؤتمر فرساي للسلام بعد الحرب العالمية الأولى كممثل «لديمقراطية السود في العالم».

ولكن تروتر فشل في الحصول على جواز سفر ولكنه استطاع السفر إلى فرنسا بحراً متنكراً في شخصية طباخ. وقدم مطالب السود في مؤتمر فرساي. ولكنه لم يحظَ بذكر مطالبه في قرارات المؤتمر وكان نجاحه الوحيد أن الصحف الأوروبية كتبت عن حضوره.

ورغم فشله الواضح في التأثير على القرار السياسي الأوروبي فإنه نجح في استخدام صحيفته كأداة لكشف الحقيقة بالنيابة عن هؤلاء الذين استغلهم النظام السياسي والاقتصادي العالمي. ونجح تروتر أيضاً في تحقيق بعض المساواة للجنود السود في الجيش الأميركي في عام 1906، وفي كشف أبعاد الفيلم العنصري «مولد أمة» الذي عُرض في عام 1915، وأيضاً في إصدار قانون فيدرالي في عام 1920 يمنع الحكم على الزنوج بلا محاكمات في الولايات الجنوبية.

لم يكتفِ تروتر بالنشر وإنما حاول تحريك المجتمع المدني لكي يعارض الممارسات العنصرية في ذلك العصر مثل خروج السود للاعتراض على فيلم «مولد أمة» الذي كان يبرر ممارسات منظمة «كوكلوكس كلان» العنصرية ضد السود. وأشار تروتر في مقالاته إلى أن فيلم «مولد أمة» شحن الجماهير البيضاء بالعنف والكراهية ضد السود.

ودعا تروتر السود للخروج في مظاهرات ضد الممارسات العنصرية ولم يكتفِ بالمناقشات القانونية حول حرية التعبير. ورغم ذلك مُني تروتر بفشل آخر عندما عُرض الفيلم وعادت منظمة «كوكلوكس كلان» قوية في ولاية جورجيا لممارسة عنصريتها.

لكنّ فشل تروتر في وقف عرض الفيلم العنصري، كما سبق وفشل في إقناع مؤتمر فرساي بقضيته، لم يثنه من عزمه في محاولة تحريك الجماهير السوداء للمطالبة بحقوقها. ولكنّ طريقه لم يكن سهلاً.

وللأسف لم تكن نهاية قصة تروتر سعيدة، ففي عام 1934 تراكمت الديون والمتاعب على صحيفة «بوسطن غارديان» وأشرفت على الإفلاس مما دفع تروتر إلى الانتحار بالقفز من شرفة علوية في منزله.

ولكن جهوده ما زالت تعيش في الضمير الأميركي للمواطنين من أصل أفريقي. وكما وصفه أحد معاصريه، كان تروتر متفانياً في انتمائه إلى قضية حصول السود في أميركا على حريتهم وحقوقهم. لم يكن يخشى وصفه بأنه متطرف أو بصداقته مع الهنود الحمر الذين جمعته معهم قضية مشتركة. ويبدو أن القضايا التي حارب تروتر من أجلها ما زالت في بعض أوجهها ماثلة بعد رحيله بقرن كامل، حيث يعد تروتر مثالاً لما يجب أن تقدمه الصحف في تناولها لقضايا عامة تهم شرائح مظلومة في المجتمع إذا كان لهذه القضايا أن تجد حلاً.

تأثير الصحف الغربية يظهر وقت الانتخابات

هنالك العديد من القضايا العامة المشتركة التي لا تختلف عليها الصحف، أو الإعلام بوجه عام، مثل قضايا البيئة والتعليم والصحة، ولكن الاختلاف بينها يظهر وقت الانتخابات العامة والتي تنقسم بشأنها الصحف وفقاً للأحزاب التي تساندها. وقد ظهر هذا التأثير على وجه الخصوص في الانتخاِبات البريطانية الأخيرة.

وتعرض جيريمي كوربن رئيس حزب العمال، لحملة ممنهجة من الصحف اليمينية بزعامة «ديلي ميل» أسفرت عن ابتعاد الناخب الإنجليزي التقليدي عنه وتحوله إلى حزب المحافظين حتى في المناطق العمالية التقليدية. وكانت النتيجة هي فوز ساحق لحزب المحافظين تحت شعار «من أجل إكمال بريكست».

هذا الفوز الساحق غير المتوقع كان رغم إجماع الخبراء على المخاطر التي تحيط بالاقتصاد البريطاني في حالة الخروج بلا اتفاق من الاتحاد الأوروبي. ولكن الحملة اليمينية اعتمدت على تخويف البريطانيين من الهجرة الأوروبية المفتوحة من تأثيرها على ازدحام المدارس والمستشفيات وتراجع الخدمات.

قد يكون حجم طباعة الصحف البريطانية قد انخفض، كما هو الحال في الدول الغربية الأخرى، ولكن تأثيرها على الرأي العام لم يتراجع. ومع ذلك تحرص كل صحيفة في عدم الظهور منحازة بالكامل لفريق ضد آخر حتى لا تفقد مصداقيتها ونسباً من القراء التي تدعم أحزاباً أخرى.

وفي الولايات المتحدة تبدو الصورة أكثر وضوحاً على الصعيد السياسي من حيث دعم أي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فحتى الصحف التي تصف نفسها بأنها محايدة تُبدي آراءها بقوة مثل صحيفة «يو إس إيه توداي» أكثرها توزيعاً التي أعلنت حيادها في انتخابات 2016 الرئاسية ولكنها نشرت أن «دونالد ترمب لا يصلح أن يكون رئيساً».

قد يهمك أيضَا :

سعوديون يكذبون نبأ القبض على الإعلامي داوود الشريان متهمين قطر بالترويج للشائعة

محطات عن الصحافي الفرنسي "جان دانيال" الذي نعاه ماكرون وهولاند قبل مائة عام

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحف الوسيلة الأكثر مصداقية في التعامل مع القضايا الكبرى الصحف الوسيلة الأكثر مصداقية في التعامل مع القضايا الكبرى



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:49 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا
المغرب اليوم - المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 19:51 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي
المغرب اليوم - لاريجاني يؤكد رفض إيران التفاوض على برنامجها الصاروخي

GMT 09:18 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026
المغرب اليوم - ناصر بوريطة يتعهد بدعم 350 فاعلاً غير حكومي ماديا خلال سنة 2026

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم
المغرب اليوم - بسمة وهبة تدعم زوجة كريم محمود عبد العزيز وتشير لنهايتهم

GMT 04:27 2012 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

زيت نخالة الأرز قادر على خفض الكولسترول

GMT 06:18 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

موجبات التوظيف المباشر في أسلاك الشرطة

GMT 20:34 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

موعد انطلاق بطولة مجلس التعاون الخليجي للغولف في مسقط

GMT 03:33 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"الموناليزا"النيجيرية تعود إلى موطنها إثر العثور عليها

GMT 18:27 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سويسرا تطرد فرنسياً تونسياً بشبهة الإرهاب

GMT 10:45 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ديكور الحفلات في الهواء الطلق في الخريف

GMT 03:59 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

ريهانا عارية الصدر في ثوب حريري فضفاض

GMT 07:41 2016 الإثنين ,05 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جريمة قتل بشعة في أحد أحياء الدار البيضاء

GMT 16:12 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

وزير الخارجية الأردني يلتقي نظيره الهنغاري

GMT 01:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتكوين تقترب من 100 ألف دولار مدفوعة بفوز ترامب

GMT 05:10 2022 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

كريم بنزيما أفضل لاعب في العام جلوب سوكر 2022
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib