لم تكن الساعات التي أعقبت التساقطات المطرية الأخيرة بمدينة آسفي عادية. شوارع غارقة، محاور رئيسية مقطوعة، سيارات جرفتها السيول، ومحلات تجارية غمرتها المياه، في مشاهد أعادت إلى الذاكرة سيناريوهات فيضانات سابقة لم تغادر الذاكرة الجماعية للساكنة.
وحسب معطيات أولية، فإن الفيضانات خلفت خسائر مادية معتبرة، دون تسجيل ضحايا، في وقت باشرت فيه السلطات المحلية فتح تحقيق للوقوف على أسباب ما وُصف محلياً بـ“الكارثة”، وتحديد مسؤوليات مختلف المتدخلين، خصوصاً ما يتعلق بسلامة شبكات التطهير وتصريف مياه الأمطار.
في خضم هذا الجدل، يبرز سؤال جوهري: هل ما عرفته آسفي نتيجة تساقطات “استثنائية” لا طاقة للمدينة بها، أم أن الأمطار لم تكن سوى الشرارة التي كشفت أعطابا بنيوية أعمق؟ للإجابة عن هذا السؤال، إلى ثلاث منصات للذكاء الاصطناعي هي ChatGPT وGemini وDeepSeek، انطلاقا من نفس المعطيات التقنية، وعلى رأسها تسجيل 60 ملم من الأمطار في حوالي 3 ساعات فوق مجال حضري تبلغ مساحته نحو 34 كيلومتراً مربعاً.
وقد جرى تجميع الأجوبة ومقارنتها وتحليلها وصياغة هذا المقال بواسطة ChatGPT، اعتمادا على منهجية تقوم على توحيد المعطيات، ثم إبراز نقاط التقاطع والاختلاف بين المنصات الثلاث، قبل استخلاص قراءة تركيبية ذات بعد صحافي واستقصائي.
ترى منصة ChatGPT أن المعطى الرقمي هو نقطة الانطلاق الأساسية لفهم ما جرى، إذ إن 60 ملم من الأمطار فوق مساحة 34 كلم² تعني نزول ما يقارب 2.04 مليون متر مكعب من المياهفي ظرف زمني وجيز. هذا الحجم، وإن كان كبيرا، لا يُصنف عالميا كحدث إعصاري نادر، لكنه يشكل ضغطاً هائلاً على مدينة لا تتوفر بنيتها التحتية على قدرة استيعاب تتجاوز في الغالب 10 إلى 15 ملم في الساعة.
وتذهب Gemini في الاتجاه نفسه، معتبرة أن خطورة الحدث لا تكمن فقط في كمية المياه، بل في سرعتها الزمنية. فالمدينة، حسب المنصة، تعرضت لما يشبه “قنبلة مائية” مصغرة، حيث سقطت ملايين الأمتار المكعبة دفعة واحدة فوق نسيج حضري متحجر، ما يجعل الفيضانات نتيجة شبه حتمية.
أما DeepSeek، فتؤكد بدورها أن حجم 2.04 مليون متر مكعب كاف لإغراق أجزاء واسعة من مدينة ساحلية متوسطة مثل آسفي، خاصة إذا لم تكن الشبكات مصممة لاستيعاب تدفقات تبلغ 20 ملم في الساعة بشكل متواصل.
بالانتقال من الأرقام إلى المدينة، ترى ChatGPT أن ما وقع يعكس هشاشة بنيوية أكثر مما يعكس تطرفا مناخيا. فالنسبة الأكبر من المياه تحولت فورا إلى جريان سطحي بسبب هيمنة الإسفلت والخرسانة، وغياب مساحات قادرة على الامتصاص، ما جعل الشبكات تصل إلى حدّ التشبع خلال دقائق.
وتُعمّق Gemini هذا التشخيص بالتركيز على طبوغرافيا آسفي، واصفة إياها بـ“الوعاء المنحدر”. فالهضبة التي تقوم عليها المدينة تصب نحو البحر، وتخترقها مسيلات مائية تاريخية، أبرزها وادي الشعبة، وهو ما يحوّل الشوارع المنحدرة إلى مجارٍ جارفة تزداد قوة كلما اتجهت نحو المناطق السفلى.
أما DeepSeek، فتربط بين هذه الخصائص العمرانية وضعف جاهزية شبكة الصرف، معتبرة أن غمر الشوارع الرئيسية والمناطق القريبة من الميناء ليس سيناريو استثنائياً، بل نتيجة منطقية لتصميم لا يأخذ بعين الاعتبار ذروة الجريان.
تتفق المنصات الثلاث على أن الموقع الساحلي لآسفي لعب دورا مضاعفا في تفاقم الوضع. ChatGPT تشير إلى أن تصريف المياه نحو البحر ليس عملية آلية دائما، خصوصا في حالات المدّ أو اضطراب البحر، حيث يحدث ارتداد للمياه داخل القنوات.
وتعتبر Gemini أن البحر تحوّل في هذه الحالة إلى “عنق زجاجة”، استقبل الماء بعد أن أغرق المدينة أولا، ما جعل الأحياء الساحلية والمنخفضة أول المتضررين.
في السياق نفسه، تحذر DeepSeek من أن تزامن التساقطات مع مدّ بحري عالٍ لا يفاقم الفيضانات فقط، بل يرفع أيضاً من مخاطر تآكل السواحل والبنيات المجاورة لها.
في ما يخص التدبير، ترى ChatGPT أن ضعف الإنذار الحضري والتواصل الاستباقي ساهم في تضخيم الخسائر، مبرزة أن المعلومة الدقيقة في الوقت المناسب عنصر أساسي من عناصر الوقاية.
وتذهب Gemini إلى أن التعاطي مع الحدث ظل تفاعلياً أكثر منه وقائياً، إذ لم تُفعَّل إجراءات استباقية كإغلاق النقط السوداء أو تفريغ المناطق المنخفضة قبل بلوغ الذروة.
أما DeepSeek، فتؤكد أن ما وقع كان يتطلب تنسيقاً ميدانياً أكبر، وانتشاراً مبكراً لفرق الطوارئ، خصوصاً في محيط وادي الشعبة والمحاور المؤدية إلى الميناء.
تتقاطع أجوبة ChatGPT وGemini وDeepSeek عند جوهر واحد، مفاده أن ما شهدته آسفي لا يمكن اختزاله في “مطر استثنائي”، بل هو نتيجة مباشرة لفشل المدينة في اجتياز اختبار مطري قوي لكنه متوقع. الأمطار لم تكن سوى المرآة التي عكست أعطاب التخطيط الحضري، وضعف البنية التحتية، وتأخر منطق الاستباق.
في آسفي، كما في مدن مغربية أخرى، لم تكن الكارثة في السماء… بل في الأرض التي لم تُهيَّأ لاستقبال ما نزل منها.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
آسفي المغربية تتعافى بعد فيضانات كارثية وأعمال عاجلة لإزالة المخلفات
تقرير يكشف استخدام داعش للذكاء الاصطناعي في تجنيد عناصر ببريطانيا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر