الرئيسية » التحقيقات السياحية
إقليم "لا بوليا"

روما - المغرب اليوم

عزيزي المسافر... لا تقل إنك جئت إلى هنا، وإنك تنزّهت على أجمل شواطئ إيطاليا التي يختصر هذا الإقليم كلَّ سحرها ومفاتنها. احفظ السر... لأنه لم يعد سرّاً أن «لا بوليا» La Puglia تستحقّ أن تبقى في عالم الأسرار، رغم كثرة الذين يريدون لها أن تكون توسكانة الجنوب التي تخفي جمالها وراء كروم الزيتون، أو صقلية الأدرياتيك، أو إيطاليا التي لا ينضب فيها معين الدهشة والانبهار. أنها الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية، والذي لن يطول الوقت حتى يدخل في الدائرة التي يتهافت عليها السيّاح حتى الاختناق.

يوماً بعد يوم يكثر عدد المشاهير الذين يختارون حنايا هذا الإقليم لعزلتهم، وتتكاثر أعداد السيّاح الذين يتوافدون على هذه الربوع. فهي ما زالت تحتفظ بأصالة عصيّة على الزمن والدساكر التي تفاخر بعمران أرستقراطي عريق يمتدّ من سفوح الهضاب المكسوّة ببساط لا نهاية له من النباتات العطرية إلى الشواطئ الرمليّة المتهالكة عند أقدام بحرٍ ينام ويفيق مع زوارق الصيّادين «لا بوليا» هي الأرض التي ينحبس عن سمائها المطر أكثر من أي منطقة أخرى في إيطاليا، والتي عاش أهلها قروناً في عزلة شبه تامة، يتحدثون لغة قدماء اليونان قبل أن ترى روما النور وتسطع إمبراطوريتها على العالم. وهي مملكة الحدود التي تصادم عليها الإسلام مع المسيحية كما تشهد على ذلك القلاع والحصون الكثيرة التي تسوّر معظم المدن والقرى الواقعة على سواحلها.

من هنا نبدأ جولتنا: لن نبدأ جولتنا من «برينديسي» التي ينزل السيّاح الأميركيون في مطارها، ومنه يهرعون إلى «ليتشيه» التي انحفرت مبانيها في ذاكرتهم من كثرة ما شاهدوا صورها. تعال نستهلّ مشوارنا في هذه الجنّة من «باري» عند أقصى الجنوب الإيطالي، ونتسلّق شوارعها اللولبية التي يفوح منها أريج البحر المالح، وتطالعك من شبابيكها بين الحين والآخر وجوه تذكّر بصوفيّا لورين أو آنّا مانياني.

على بعد أميال من «باري» يقوم مثلّث ذهبي تشكلّه قرى «مونوبولي» و«فازانو» و«آلبيروبلّو» حيث تجد أجمل المنتجعات ودور الإقامة في مزارع أو معاصر قديمة رممها أصحابها بمنتهى الذوق والأناقة. تستدرجك إلى ممارسة الرياضة المفضّلة عند أهل هذه البلاد: متعة الكسل il dolce far niente التي رفعها الإيطاليون إلى مقام المفخرة الوطنية. لكن الكنز الذي تفتخر به هذه القرى الثلاث هي الأكواخ الحجرية الشهيرة المعروفة باسم Trulli، وهي مخروطية الشكل في سقفها وتعود إلى حقبة ما قبل التاريخ مع بدايات العصر البرونزي. ونظراً للأهمية التاريخية والأنثروبولوجية لهذه الأكواخ، قررت منظمة اليونيسكو إدراجها على قائمة التراث العالمي في عام 1996، كما أدرجت عليها أيضاً «الوجبة المتوسطية» التي يشتهر بها هذا الإقليم الإيطالي.

«ليتشيه» الفاتنة أصبحت على بعد ستين ميلاً من هنا، لكن السرعة في الوصول إليها ليست مستحسنة لأنها ستفوّت عليك فرصة التوقّف في قرية «أوستوني» التي تتنافس فيها قصور النبلاء مع بيوت العائلات العريقة، وحيث لا بد للعابر أن يتذوّق الحلوى التي اشتهرت بها، والتي تتحدّى من يأكلها أن يسلم شاربه من القشدة المحشوّة بها. وفي هذه البلدة أيضاً سوق شهيرة للحرفيّات.

اقرأ أيضًا:

تسجيل ارتفاع في حركة النقل الجوي في مطار مراكش المنارة

نصل إلى «ليتشيه» Lecce كمن يدخل إلى معبد يرتفع وسط حقول الزيتون وبساتين الفاكهة وكروم العنب المترامية حتى البحر. مدينة بارّوكيّة بامتياز، تقول لك إن إيطاليا ليست روما وميلانو والبندقية وفلورانس... فحسب، وإن هذا الجنوب الذي سقط من دفاتر السيّاح فيه ما يغني عن كل الجمال المنثور على صدر شبه الجزيرة الإيطالية.

عندما بدأ مؤسس الحركة البارّوكية النحّات فرانشيسكو بورّوميني مسيرته الفنّية مطالع القرن السابع عشر تحت شعار (التغيير هرباً من الرتابة)، كان أساتذة النحت في هذه المدينة قد قطعوا شوطاً بعيداً في ترصيع عشرات القصور بمنحوتات جريئة على أشكال فاكهة وطيور وحيوانات داجنة أصبحت عنواناً لأسلوب بارّوكي انفردت به «ليتشيه» بين كل الحواضر الأوروبية.

لست بحاجة إلى دليل سياحي أو كتاب تقرأه عن هذه المدينة لزيارتها. يكفي أن تستسلم لحواسك وتترك لها القياد، تمشي وراءها في الشوارع المرصوفة بحجارة القرن السادس عشر بين القصور والدور الحجرية التي هي أقرب إلى المنحوتات الضخمة، تستظلّ عبق التاريخ في أفنيتها الفسيحة وتذهب بعيداً وراء الجمال الطالع من معمارها الأنيق والمكدّس في كنوزها الفنيّة. تتنقّل بين ساحاتها من مفاجأة إلى ذهول إلى انبهار، ويُخيَّل إليك أنك على خشبة مسرح طالع من أعماق التراجيديا الإغريقية التي ما زالت أصداؤها تتردد بين المباني الصامدة.

التجوال فيها رحلة عبر الزمن، من عصور ما قبل التاريخ إلى العهد الوسيط وفن البارّوك الذي بلغ هنا إحدى قممه على يد أمهر الحرفيين. والبحر هنا... بحران، يحيط كل منهما بإحدى خاصرتَي هذه المدينة المحشورة عند «كعب الجزمة» الإيطالية، حيث تكثر المحميّات الطبيعية النائية عن الإسمنت والأسفلت، والخلجان الصغيرة التي يرتادها عشّاق الغطس والتمتع بالمفاتن المغمورة تحت المياه. ولعلّ أجمل ما في هذه الشواطئ هو بعدها عن الطرقات المطروقة، وغابات الصنوبر التي تكاد تغسل جذوعها بالأمواج التي تموت في ظلالها.

لكن «ليتشيه» ليست مجرّد تحفة معمارية ينطق فيها الحجر، بل هي، منذ سنوات، مختبر فريد للسياحة البيئية التي تعجز أفخم الفنادق عن مجاراة الأجواء الفريدة التي تقدّمها بأسعار لا تضارب، ومدرسة عالمية الشهرة للمأكولات الطبيعية والصحيّة يشهد عليها مركز الطهي الذي يتهافت عليه كبار الطهاة من كل أنحاء العالم يتدرّبون على أيدي الجَدّات اللواتي يحفظن أسرار الأطباق التقليدية والأطعمة اللذيذة.

ثمّة جاذبية لا تقاوَم في هذه المدينة تدفعك إلى الاستغناء عن متابعة الرحلة والبقاء بين جدرانها أطول فترة ممكنة. إنه شعور بالأمان والسكينة العميقة في هذا العالم المضطرب، اللاهث وراء كل شيء ولا شيء، ورغبة دفينة في الانسياق وراء هذه الحياة المتهادية ببطء وبساطة خارج حدود الزمن.

لكن على مرمى حجر من «ليتشيه» الجميلة ثمّة أيضاً ما يغري بالذهاب: إنها شواطئ الرمال الناعمة البيضاء والمياه البلّورية التي تذكّرك بجزر المالديف الساحرة، والتي تمتدّ هنا حول بلدة «غالّيبولي» التي تبدو طالعة من إحدى البطاقات السياحية، بقلعتها الحصينة من القرن الرابع عشر، وأسوارها التي تتكسّر عليها الأمواج منذ مئات السنين، وأزقّتها الحجرية الضيّقة المحفوفة بمطاعم عائلية صغيرة يزوّدها الصيّادون كل يوم بأشهى الأطايب البحريّة. وعلى أطراف هذه البلدة تمرّ «Appia Antica مليكة الطرق» التي شقّها أباطرة روما، والتي ما زالت أجزاء كثيرة منها تستخدم إلى اليوم إلى جانب الجسور التي تشهد على حسن تخطيطهم وعمرانهم.

لا تقل إنك جئت إلى هنا، واحفظ سرّ هذا الجمال قدر ما استطعت، ولا تنسَ قبل مغادرتها ما يردده أهلها منذ مئات السنين، بأن السعادة تكمن في قصعة خبز مغمّسة بزيت الزيتون وقيلولة في ظلّ صنوبرة عتيقة.

قد يهمك أيضًا:

10 نشاطات سياحية يجب عليك تجربتها في أذربيجان

أفضل العروض للسفر إلى الوجهات ذات المسافات الطويلة

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

وزارة السياحة ترد على دعوات المقاطعة وتؤكد إستمرار جاذبية…
إطلاق طيران مباشر بين الأردن والمغرب
وزارة الخارجية الأميركية تلزم بعض المسافرين بدفع كفالة مالية…
إيرادات السياحة في المغرب تسجل 54 مليار درهم بالنصف…
إضراب شامل في تونس يشلّ حركة النقل ويربك المسافرين

اخر الاخبار

الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته ويتوغل في قرى بمحافظتي القنيطرة…
الجزائر ترد على فرنسا بإنهاء اتفاق الإعفاء الدبلوماسي وتصف…
مصر تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الكارثة الإنسانية في…
الأمم المتحدة تدعو الليبيين لإجراء الانتخابات خلال 18 شهراً

فن وموسيقى

إليسا ضحية عملية احتيال بملايين الدولارات ورجل أعمال يفر…
تدهور في الحالة الصحية للفنانة أنغام واستمرار معاناتها مع…
سعيدة شرف تؤكد أن حضورها في المهرجانات الغنائية داخل…
تامر حسني يؤكد إستمرار علاقته الفنية مع بسمة بوسيل…

أخبار النجوم

وائل كفوري يستقبل ابنته الأولى من شانا عبود ويختار…
رسالة مؤثرة من زوجة محمد رحيم في عيد ميلاده…
رابح صقر ينعى ابن شقيقته برسالة حزينة ومؤثرة
آمال ماهر تكشف موقفها من العودة إلى لأي علاقة…

رياضة

نجم مغربي جديد ينضم إلى الدوري الإنجليزي الممتاز
فيفا يُحيي ذكرى 20 عامًا لميسي مع الأرجنتين قبل…
محمد صلاح يصنع التاريخ كأول لاعب يفوز بجائزة أفضل…
محمد صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي

صحة وتغذية

دراسة فلسطينية تكشف آثارًا مدمرة للمعاناة النفسية لدى الأطفال…
دراسات تكشف مخاطر السجائر الإلكترونية "النظيفة" على القلب وضغط…
عادة بسيطة تساهم في تقليل الكوليسترول وتعزيز صحة القلب
الكيتامين لا يعالج الألم المزمن وتحذيرات من آثاره النفسية…

الأخبار الأكثر قراءة

متنزهات ايطاليا جوهرة مخفيه تجمع بين الطبيعه الخلابه والمذاق…
الصين تُوسّع نطاق الدخول من دون تأشيرة لأكثر من…
التأشيرة الخليجية الموحدة قريباً لتعزيز التنقل والسياحة
افتتاح خط جوي جديد بين برشلونة والصويرة يعزز جاذبية…
السفر الفاخر اليوم "موناكو" تجسيد للتجربة الراقية